الخطاب المغربي ــ الأفريقي لمحمد السادس

الدار البيضاء اليوم  -

الخطاب المغربي ــ الأفريقي لمحمد السادس

بقلم : خيرالله خيرالله

لا يصحّ إلّا الصحيح في كلّ قضيّة محقة مثل قضية الصحراء المغربية التي تعتبر نـزاعا مفتعلا لا هـدف منه سـوى المزايدة على المغرب وابتزازه والنيل من وحدته الترابية.
اختار الملك محمّد السادس العاصمة السنغالية داكار ليلقي منها خطابا مغربيا – أفريقيا يؤكّد عمق العلاقة القائمة بين المملكة والقارة السمراء. تضمّن الخطاب الملكي في الذكرى الواحدة والأربعين لـ”المسيرة الخضراء” التي توجت باستعادة المغرب الصحراء دلالات كثيرة. من بين هذه الدلالات العلاقة المتميزة مع السنغال البلد الأفريقي الذي جعل من عودة الصحراء المغربية إلى أهلها قضية وطنية بالنسبة إليه. كانت الصحراء قضية وطنية سنغالية بمقدار ما هي قضية وطنية مغربية.
إلى ذلك، كان توجه محمد السادس بخطابه من داكار دليلا إضافيا إلى المكانة التي يحظى بها المغرب في أفريقيا، وإلى الاهتمام البالغ الذي يوليه العاهل المغربي للقارة.
جاء الخطاب بعد جولة لا سابق لها للعاهل المغربي في دول أفريقية شملت رواندا وتنزانيا والسنغال وستشمل مستقبلا إثيوبيا. أتت الجولة لتثبت أنّ أفريقيا محور جوهري بالنسبة إلى ملف الصحراء وذلك على الصعيد الدبلوماسي. فالمغرب عائد إلى الاتحاد الأفريقي في سياق مبادرة منه، وذلك من أجل إضفاء الشرعية على هذه المنظمة الأفريقية التي ليس أمامها سوى استعادة المغرب الذي لديه ما يقدّمه لها على غير صعيد.
في النهاية، هناك قصة نجاح مغربية على كلّ المستويات، خصوصا في مجال الإصلاحات السياسية. في استطاعة أفريقيا الاستفادة من قصة النجاح هذه إن على صعيد مكافحة الإرهاب، وإن في مجال الهجرة والتنمية الذاتية وحتّى على صعيد المناخ. ليس غريبا أن تكون هناك قمة أفريقية تضمّ ثلاثين من رؤساء الدول على هامش مؤتمر المناخ الذي تستضيفه مراكش هذه الأيام وهو مؤتمر COP 22، الذي يعتبر متابعة لمؤتمر باريس الذي وضعت فيه إستراتيجية متكاملة لحماية البيئة على الصعيد العالمي.
لم يعد سرّا أن المغرب يمتلك عمقا أفريقيا بفضل المبادرات المستمرة التي يقوم بها وآخرها خطاب داكار الذي توجه فيه إلى أبناء شعبه بقوله “إذا كنتُ خاطبتك في مثل هذا اليوم من العام الماضي من العيون في الصحراء المغربية، بخصوص أفريقيا، فإنّي أخاطبك الآن من قلب أفريقيا عن الصحراء المغربية. فهذا الخطاب من هذه الأرض الطيّبة تعبير عن الأهمّية الكبرى التي نوليها لقارتنا”.
تكمن أهمّية خطاب داكار في أنّ العاهل المغربي ليس من أولئك الذين يكتفون بالكلام. إنّه يعني كلّ كلمة تصدر عنه بدليل ما قدّمه المغرب لدول أفريقية عدة من أجل أن تتمكن من النهوض. لم يقدّم المغرب مساعدات إنسانية فقط، ولا اكتفى ببناء مدارس ومستشفيات وتوفير خـدمات طبّية. ساهم في تعزيز الأمن في دول أفريقية عدّة وهو يساعد في تكوين أئمة يمتلكون الفهم الصحيح للإسلام بعيدا عن أيّ نوع من التطرّف.
ليس لدى المغرب ما يستحي به، لذلك نجده يوسّع إطار علاقاته الأفريقية في كلّ الاتجاهات، لكنّ تبقى للسنغال علاقة خاصة به نظرا إلى أنّه “بين الدول التي شاركت في الملحمة الوطنية (ملحمة استعادة الصحراء المغربية)، إلى جانب دول أفريقية وعربية أخرى”.
استغل محمّد السادس وجوده في داكار ليشير إلى أنّ عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي ليست قرارا تكتيكيا ولم تكن لحسابات ظرفية، وإنما هو قرار منطقي جاء بعد تفكير عميق. “عندما نخبر بعودتنا، فنحن لا نطلب الإذن من أحد لنيل حقّنا المشروع. فالمغرب راجع إلى مكانه الطبيعي كيفما كان الحال ويتوفّر على الأغلبية الساحقة لشغل مقعده داخل الأسرة المؤسسية الأفريقية. إن المغرب الذي لا يتدخل في السياسة الداخلية للدول ولا ينهـج سياسة التفرقة، يأمل في أن تتعامل كل الأطراف مع هذا القرار بكل حكمة ومسؤولية لتغليب وحدة أفريقيا ومصلحة شعوبها”.
ليس سرّا أن هناك من سعى إلى استخـدام طرق ملتوية لمنـع المغرب من العودة إلى الاتحاد الأفريقي. ليس سرّا أيضـا أن كلّ الوسـائل استخـدمت في المـاضي للترويج لقضية أقل ما يمكن أن توصف به أنّها قضية مزوّرة اسمها قضية الصحراء. الهدف كان واضحا كلّ الوضوح ويتمثّل في استخدام أداة اسمها “بوليساريو” لابتزاز المغرب في المحافل الأفريقية والدولية تحت شعار “حقّ تقرير المصير للشعوب”.
قدّم المغرب كلّ ما يستطيع تقديمه لقطع الطريق على الابتزاز الذي يتعرض له والذي معروف من يقف خلفه. لذلك كان محمّد السادس واضحا كلّ الوضوح بعدما وقفت الأكثرية الأفريقية إلى جانب عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي. قال في هذا المجال “إن عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية القارية لن تغيّر شيئا من مواقفنا الثابتة بخصوص مغربية الصحراء، بل ستمكننا من الدفاع عن حقوقنا المشروعة وتصحيح المغالطات التي يروّج لها خصوم وحدتنا الترابية، خصوصا داخل المنظمة الأفريقية”.
لن يترك المغرب هجمات الذين يحاولون الإساءة إليه من دون رد. سيردّ الصاع صاعـين بعدما اكتشفت معظـم الدول الأفريقية مـن يقف حقيقة معها ومن يساعدها بالكلام فقط، أي عن طريق إطلاق الشعارات الطنانة الفارغة من أيّ مضمون حقيقي.
في وقت تجري فيه مشاورات لتشكيل حكومة مغربية جديدة، لم يفوّت محمّد السادس الفرصة للتنبيه إلى “أنّنا نتطلّع إلى أن تكون السياسة المستقبلية للحكومة شاملة ومتكاملة تجاه أفريقيا وأن تنظر إليها كمجموعة. كما ننتظر من الوزراء أن يعطوا لقارتنا الاهتمام نفسه الذي يولونه في مهـامهم وتنقـلاتهم للدول الغربية”. ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله “إنّ المغرب يحتاج إلى حكومـة جـادة ومسؤولة. لذلك، إنّ الحكـومة المقبلـة لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية تتعلّق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية وتكوين أغلبية عددية، وكأنّ الأمر يتعلّق بتقسيم غنيمة انتخابية. الحكومة برنامج واضح وأولويات محدّدة للقضايا الداخلية والخارجية، على رأسها أفريقيا”.
لا حاجة إلى الذهاب بعيدا لفهم أبعاد خطاب داكار للعاهل المغربي. هناك، بكل بسـاطة، مبادرات عـدة لمحمد السادس رسّخت العمق الإستراتيجي الأفريقي للمغرب على الرغم من كلّ مناورات الخصوم التي استهدفت اجتثاث الجذور الأفريقية للمملكة.
في كلّ يوم يمرّ يتبيّن بالملموس كم أن أفريقيا قريبة من المغرب، بل امتداده الطبيعي وكم أن المغرب قريب من أفريقيا وكم يستطيع مساعدة دولها وشعوبها في مجالات مختلفة.
ما يحصل من تكامل بين أفريقيا والمغرب أمر أكثر من طبيعي. ما هو غير طبيعي وجود قوى تعمل من أجل الفرقة بين دول القارة من أجل تحقيق مآرب خاصة لا علاقة لها، من قريب أو من بعيد، بمصلحة الشعوب الأفريقية التي ناضلت طويلا من أجل الوصول إلى مرحلة تكتشف فيها زيف أولئك الذين يتاجرون بـ“حق تقرير المصير” لهذا الشعب أو ذاك، خدمة لمصالح ضيّقة أبعد ما تكون عن الحقّ وكلّ ما له علاقة بالحقّ من قريب أو بعيد…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخطاب المغربي ــ الأفريقي لمحمد السادس الخطاب المغربي ــ الأفريقي لمحمد السادس



GMT 19:41 2022 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

معركة حياة أو موت لـ"الحرس" في إيران

GMT 23:27 2022 الخميس ,18 آب / أغسطس

​إيران تستعرض عضلاتها

GMT 14:59 2022 الثلاثاء ,16 آب / أغسطس

إيران تحاول استعادة المبادرة في العراق...

GMT 19:55 2022 الإثنين ,15 آب / أغسطس

«حماس» بالمختصر المفيد

GMT 16:11 2022 السبت ,13 آب / أغسطس

الخبز قبل الغاز... في لبنان

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca