أوباما وبان… والقلق

الدار البيضاء اليوم  -

أوباما وبان… والقلق

بقلم : خيرالله خيرالله

لا يشبه باراك أوباما إلاّ بان كي مون، ولا يشبه الأمين العام للأمم المتحدة إلاّ الرئيس الأميركي. الاثنان على استعداد كامل لإبداء القلق بعد كلّ حادث خطير يقع في العالم. القلق لا يخدم مهمة السلام التي تضطلع بها الأمم المتحدة، مثلما أنّه لا يمكن أساسا لسياسة أميركية قويّة وحازمة، بل يعكس ضعفا ليس بعده ضعف لدى القوة العظمى الوحيدة في العالم.

ماذا بعد إبداء القلق؟ لا شيء بعد ذلك، حتّى لو اتّبع أوباما كلامه بتهديدات وخطوط حمر يرسمها لبشّار الأسد وغير بشّار الأسد. تبيّن في نهاية المطاف، منذ وصول بان إلى موقع الأمين العام للأمم المتحدة ومنذ دخول أوباما البيت الأبيض أن المسؤول عن المنظمة الدولية التي يفترض أن ترعى شؤون العالم والمسؤول عن القوة العظمى الوحيدة في العالم ليسا سوى متفرّجين على ما يدور على الكرة الأرضية.

ارتضيا بهذا الدور، بل ربّما ارتضيا بما هو أسوأ منه، خصوصا عندما نشهد تصرفات الأمين العام للأمم المتحدة حيال قضايا معيّنة وعندما نجد أن أوباما مصرّ على أن يرث خليفته مجموعة من الأزمات ولا شيء آخر غير ذلك.

يصرّ بان كي مون، على سبيل الحصر وليس المثال على نبش القبور. يبدو همّه الأوحد محصورا في معاداة المغرب وكأنّه ممنوع على دولة عربية وأفريقية أن تكون واحة سلام واستقرار وازدهار في منطقة مضطربة.

قبل فترة اتخذ بان موقفا عدائيا من المغرب خلال زيارة للاجئين الصحراويين في تندوف. لا يدري أن الصحراء مغربية وأن المقيمين في تندوف ليسوا سوى أسرى العناد الجزائري وأسرى حرب بالوكالة تشنها الجزائر على المغرب مستخدمة أداة اسمها جبهة “بوليساريو”.

قبل أيّام عاد بان كي مون إلى عاداته القديمة. اعترض على أعمال يقوم بها المغرب داخل الصحراء، في منطقة حدودية مع موريتانيا. كلّ ما يقوم به المغرب داخل أراضيه الوطنية هو العمل من أجل تحسين الأوضاع في الصحراء المغربية من كلّ النواحي، خصوصا من الناحية الأمنية. لماذا الاعتراض، إذن، على ما يقوم به المغرب؟

من الواضح أن لا هدف للأمين العام للأمم المتحدة سوى تصفية حسابات مع المغرب. قد لا تكون الإدارة الأميركية بعيدة عن تصرّفاته، إلاّ أن الأكيد أن كلّ هدفه هو توريط من سيخلفه ابتداء من السنة المقبلة في قضية مفتعلة لا أكثر ولا أقلّ.
طريق الأمم المتحدة والولايات المتحدة واحد حتى لو كان طريق الفشل والإخفاقات

لماذا القضية مفتعلة؟ ذلك عائد إلى سبب في غاية البساطة يتمثّل في أن الطفل الصغير يعرف أن قضية الصحراء هي قضية بين المغرب والجزائر، بل هي اعتداء سافر على المغرب، وأنّ كل ما عدا ذلك بمثابة تلهٍّ بالقشور وإطالة لأزمة لا طائل منها سوى المساعدة في ضرب الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا ومساعدة الإرهاب، بكلّ أشكاله في التمدد في منطقة الساحل الأفريقي. من ينظر إلى القضية من زاوية أخرى، إنما لا يعرف شيئا عمّا يدور على الأرض من جهة ولا يريد إيجاد حلول عملية من جهة أخرى.

هناك فارق بين من يريد البحث عن حلّ وبين السعي إلى ضمان الاستقرار الإقليمي. من يريد البحث عن حلّ ينطلق من طرح الحكم الذاتي الموسّع الذي قبل به المغرب لأقاليمه الصحراوية والتركيز في الوقت ذاته على تعاون إقليمي في مكافحة الإرهاب الذي باتت “بوليساريو” ومخيمات تندوف على ارتباط به بطريقة أو بأخرى في ظلّ وضع جزائري مفتوح على كلّ الاحتمالات بعد المرض الذي أقعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ابن الـ79 عاما.

سيغادر بان الأمم المتحدة وسيغادر لغزه معه. ما الذي جاء يفعله في هذا الموقع الذي أمضى فيه، حتّى الآن، أقل بقليل من ثماني سنوات وهو لا يعرف أن هناك بديلا من الاكتفاء بإبداء القلق. هذا البديل هو دخول الأزمات التي تحتاج إلى حلول من الباب المناسب بدل البحث عن أبواب أخرى لا علاقة لها بطبيعة الأزمة المطلوب معالجتها بمقدار ما أنّها الطريق الأقصر لاستمرار هذه الأزمة وإطالتها أطول فترة ممكنة.

لا يختلف الرئيس الأميركي كثيرا عن الأمين العام للأمم المتحدة. القلق لا يفارقه. عندما أخذ العالم علما بأنه يكتفي بإبداء القلق، راح المعنيون بالأزمات ومفتعلوها، بما في ذلك الذين يستمتعون بالقتل من أصحاب المشاريع التوسّعية، يمارسون هواياتهم المفضلة.

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بين أوائل الذين تصدّوا لباراك أوباما وتحدّوه في عقر داره. كذلك فعل النظام في إيران الذي أحاط الرئيس الأميركي بالمتعاطفين معه من الذين يصرّون على ربط أهل السنّة العرب بالإرهاب. لم يتأخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اللحاق بركب الإسرائيلي والإيراني وتأكد صيف العام 2013من أنّ باراك أوباما ليس سوى ظاهرة صوتية. كان ذلك عندما تراجع الرئيس الأميركي عن ضرب النظام السوري بعدما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميائي في سياق الحرب التي يشنّها على شعبه.

كان صيف العام 2013 نقطة تحوّل على صعيد علاقات دول العالم بالولايات المتحدة ونظرتها إليها. جاء توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني في تمّوزـيوليو من العام الماضي ليكرّس واقعا جديدا يتمثل في أن المطلوب حماية هذا الاتفاق بأيّ شكل كان خشية خروج إيران منه!

في عهد باراك أوباما تفاقمت كلّ الأزمات التي غرق فيها العالم. زاد تهديد إيران للدول المحيطة أو القريبة منها. لم يعد هناك من يردع لا السياسة التوسعية لنتنياهو في الضفّة الغربية ولا إرسال إيران ميليشيات مذهبية للقتال في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. صارت إيران تتجرّأ على المملكة العربية السعودية لا لشيء سوى لأنها كرست نفسها وكلّ إمكاناتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام.

لا وجود لأيّ ردّ فعل أميركي على ممارسات إيران لا في العراق، حيث تدير إيران حربا أهلية ذات طابع مذهبي، ولا في سوريا ولا في اليمن ولا أخيرا في لبنان حيث ممنوع على مجلس النواب، بفضل سلاح “حزب الله”، انتخاب رئيس للجمهورية.

يكتفي باراك أوباما وبان كي مون بالقلق. سيعود كلّ منهما إلى بيته مطلع السنة 2017. كلّ ما يمكن قوله إن وضع العالم لم يتحسن منذ توليا مسؤولياتهما. صارت كوريا الشمالية في عهد أوباما تتعمد تحدي الولايات المتحدة وجيرانها.

أجرت قبل أيام تجربة تفجير نووية هي الخامسة من نوعها. باتت بيونغيانغ تعرف أن لا وجود لإدارة أميركية تستطيع ردعها، فيما تكتفي روسيا والصين بالتفرّج على ما تقوم به دولة مارقة لا همّ لها سوى تجويع شعبها.

هل تبقى ظاهرة إبداء القلق مهيمنة على سياسة الولايات المتحدة والأمم المتحدة بعد رحيل أوباما وبان.. أم يكتشف العالم دواء لهذه الظاهرة بمجرد خروجهما من البيت الأبيض ومن مبنى الأمم المتحدة؟

الأكيد أن أحدا لن يترحم لا على عهد الرئيس الأميركي ولا على عهد الأمين العام للأمم المتحدة، خصوصا في سوريا حيث تدور المأساة الأكبر منذ إطلالة القرن الواحد والعشرين..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما وبان… والقلق أوباما وبان… والقلق



GMT 19:41 2022 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

معركة حياة أو موت لـ"الحرس" في إيران

GMT 23:27 2022 الخميس ,18 آب / أغسطس

​إيران تستعرض عضلاتها

GMT 14:59 2022 الثلاثاء ,16 آب / أغسطس

إيران تحاول استعادة المبادرة في العراق...

GMT 19:55 2022 الإثنين ,15 آب / أغسطس

«حماس» بالمختصر المفيد

GMT 16:11 2022 السبت ,13 آب / أغسطس

الخبز قبل الغاز... في لبنان

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca