سرّ صمود لبنان.. أقله إلى الآن

الدار البيضاء اليوم  -

سرّ صمود لبنان أقله إلى الآن

خيرالله خيرالله

لم يمتْ لبنان. لم تمتْ الدولة العميقة التي أخرجت، بسبب إيمان اللبنانيين بها، القوات السورية من الأراضي اللبنانية في العام 2005.

هناك سرّ لصمود لبنان، أقلّه إلى الآن. لم تسقط عاصمة لبنان كلّها في يد إيران عندما اجتاح “حزب الله” بيروت في مايو من العام 2008. بقيت بيروت تقاوم، على العكس مما يحصل الآن في صنعاء حيث استطاع “أنصارالله” السيطرة على دار الرئاسة التي كان الرئيس الانتقالي يمارس منها ما بقي لديه من سلطة. استطاع الحوثيون، أيضا، السيطرة على كلّ موقع حكومي في العاصمة وعلى المراكز العسكرية والأمنية فيها وفي محيطها.

تستطيع إيران، عبر غير مسؤول فيها، الادّعاء أن بيروت صارت تحت سيطرتها. هذا أمر صحيح إلى حدّ ما. لكنّ الصحيح أيضا أنّ هناك في لبنان من يتصدّى لنفوذها ويرفض الرضوخ لما تدعو إليه سرّا. في الواقع، تدعو إيران، على غرار ما تفعل في اليمن حاليا إلى دستور جديد يعيد تشكيل السلطة في البلد. ولهذا السبب، وليس لغيره، تعطّل عبر أدواتها وأدوات الأدوات انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الوطن الصغير وذلك منذ ما يزيد على سبعة أشهر. يكمن سرّ لبنان في أنّ هناك من يؤمن بالدولة العميقة فيه. وهذا ما افتقده وما زال يفتقده اليمن.

لولا الدولة العميقة، لما بقي الوطن الصغير حيّا يرزق إلى الآن، على الرغم من كلّ ما تعرّض له منذ العام 1969 تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم. يعني هذا الاتفاق، الذي أجبر لبنان على توقيعه، تخلّي الدولة اللبنانية عن سيادتها، وعلى جزء من أراضيها. لا نزال إلى اليوم نعيش تداعيات اتفاق القاهرة بعدما ورثت ميليشيا “حزب الله” المسلحين الفلسطينيين، وطرحت شعار “الشعب والجيش والمقاومة” بغية تغطية وضع اليد الإيرانية على قسم من لبنان، وكي تتمكن إيران من القول عبر غير مسؤول فيها أنّها صارت دولة مطلّة على البحر المتوسط وعلى تماس مع إسرائيل.

لم يمتْ لبنان. لم تمتْ الدولة العميقة التي أخرجت، بسبب إيمان اللبنانيين بها، القوات السورية من الأراضي اللبنانية في العام 2005. نعم، لم يمت لبنان على الرغم من أنّه يمكن بسهولة الحديث عن دويلة لبنان ودولة “حزب الله” التي يشير وجودها إلى رغبة إيران في وضع البلد تحت وصايتها، أي ملء الفراغ الناجم عن انكفاء الوجود العسكري والأمني السوري.
    
ما يؤكّد وجود الدولة العميقة في لبنان سيطرة قوات الأمن على المبنى ب في سجن رومية. بقي هذا المبنى لسنوات طويلة عصيّا على الدولة اللبنانية التي أراد رفيق الحريري إعادة الحياة إلى مؤسساتها. استشهد رفيق الحريري لأنّه كان يحمل هذا الإيمان، ولأنه كان مهووسا بلبنان وبقدرة اللبنانيين على الإنجاز في كل الميادين.

لم يتخل وزير الداخلية نهاد المشنوق في أي وقت عن إيمانه بالدولة العميقة على الرغم من كل الصعوبات التي تعترض عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية. اكتشف منذ اليوم الأوّل لتوليه مسؤولياته في حكومة الرئيس تمام سلام أن في الإمكان البناء انطلاقا من وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها. وجد الوزارة في وضع جيّد نسبيا، لا لشيء لأنه لم تنخرها السوسة الحزبية، ولم تخترقها الميليشيات المذهبية. لذلك، استطاع أن يقوم بما يمليه عليه ضميره، أي إعادة المبنى ب إلى وضعه الطبيعي معتمدا على عناصر قوى الأمن، على رأسها عناصر شعبة المعلومات التي حصلت على مؤازرة من الجيش اللبناني.

لا وجود لأسرار من أيّ نوع كان. كلّ ما في الأمر أن الأجهزة اللبنانية قادرة على تنفيذ المطلوب منها خدمة للدولة وللمواطن اللبناني متى عملت بعيدا عن الأحزاب والميليشيات المذهبية ذات الولاءات المعروفة جدا، بل المعروفة أكثر من اللزوم.

تحرير المبنى ب في سجن رومية، وهو مبنى كانت فيه غرفة عمليات للمتطرفين الذين نفذوا عملية إرهابية في بعل محسن، يعتبر أفضل دليل على أن عين رفيق الحريري لا تزال ساهرة على لبنان.

ظهر في ختام المطاف أنّه لا يزال هناك لبنانيون، من طينة نهاد المشنوق، يؤمنون بلبنان واللبنانيين، ولا تزال هناك مؤسسات لبنانية لا ترى سوى مصلحة لبنان واللبنانيين. الأمل الآن في تطوير التجربة التي بدأت بالانتهاء من تمرد المبنى ب، وتأكيد أن هناك مؤسسات ما زالت تعمل بعيدا عن الحزبية والمذهبية.

كلّ ما فعله نهاد المشنوق، الذي أصرّ على أن الإنجاز النظيف ملك عناصر قوى الأمن الداخلي ومن بينها شعبة المعلومات، يتمثّل في الاعتماد على شبان يخدمون الدولة اللبنانية. هؤلاء الشبان، من جنود وضباط، على استعداد للتضحية بحياتهم من أجل لبنان وليس من أجل أجندات خارجية تعتبر الوطن الصغير مجرّد “ساحة”، واللبنانيين مجرد أدوات يمكن التضحية بهم ولا يصلحون لغير ذلك.

مع اقتراب الذكرى العاشرة لاستشهاد رفيق الحريري ورفاقه، تلقى رفيق الحريري أفضل هدية يمكن أن يتلقاها. هناك مؤسسات لبنانية مهمّة ما زالت تعمل من أجل لبنان. صحيح أن عدد المؤسسات التي تعمل قليل، لكنّ الصحيح أيضا أنّ هناك صمودا لبنانيا في وجه الإرهاب والتطرف بغض النظر عن الفكر الذي يحاول الإرهابيون استخدامه غطاء لأفعالهم.

المفارقة أن لبنان ما زال يمتلك مؤسسات حقيقية. إنّها مؤسسات تضم أفرادا من كل الطوائف والمذاهب والمناطق يؤمنون بالصيغة اللبنانية. في المقابل، إن النظام السوري، الذي سعى دائما إلى تصوير لبنان بأنّه بلد “هش”، انكشف على حقيقته كنظام أقلوّي يعود الفضل في عدم سقوطه إلى الآن، إلى إيران وروسيا.

لا تزال الدولة العميقة موجودة في لبنان، على الرغم من كلّ ما يقال عن صيغته وتركيبته الطائفية. من كان يصدّق أن المسلحين الفلسطينيين سيصبحون خارج الأراضي اللبنانية؟ من كان يصدّق أن السوريين سيخرجون من لبنان بعد احتلال استمر ثلاثين عاما. من يجرؤ الآن على التصديق أنْ لا مستقبل للمشروع الإيراني في لبنان، في وقت تسعى إيران إلى تأكيد دورها الإقليمي في كلّ المنطقة العربية وصولا إلى اليمن؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سرّ صمود لبنان أقله إلى الآن سرّ صمود لبنان أقله إلى الآن



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca