وماذا بعد ربح رهان التطبيع مع القصر؟

الدار البيضاء اليوم  -

وماذا بعد ربح رهان التطبيع مع القصر

توفيق بو عشرين

يكمل عبد الإله بنكيران، زعيم الإسلاميين المعتدلين، سنته الثالثة على رأس الحكومة بعد شهرين. لم يكن أكثر المتفائلين يعتقد أن الرجل، الذي لم يكن يحب ربطة العنق فوق قميصه، سيكمل 36 شهرا في المشور السعيد، حيث مكتبه في باحة القصر. الكثيرون كانوا يعتقدون أن شهر العسل بين القصر وحزب العدالة والتنمية سيكون قصيرا جداً، خاصة عندما انقلب الربيع العربي، الذي جاء على ظهره الإسلاميون إلى الحكم، إلى خريف مزق استقرار أكثر من بلد عربي…

لكن بنكيران بدهائه وبرغماتيته وصبره نجح في الانحناء للعاصفة، وجعل خصومه يعيدون ترتيب أوراقهم، ويستعدون للقبول بالوافد الجديد على دار المخزن لفترة أطول مما كانوا يعتقدون…

قبل سنتين وفي برنامج أحمد منصور «بلا حدود» على قناة الجزيرة، سأل الصحافي المصري رئيس الحكومة للمغربي: «كيف أصبحت علاقتك مع الملك سمنا على عسل؟»، فرد بنكيران بسرعة وتلقائية قائلا: «يا ريت تكون علاقتي بالملك سمنا على عسل ولمَ لا عسلا على عسل…».

أول شيء فعله بنكيران يوم دخل إلى رئاسة الحكومة هو وضع الدستور المكتوب جانبا، واستعمال الدستور غير المكتوب، أي أن رئيس الحكومة لم يستعمل موازين القوى الجديدة التي نشأت بعد 20 فبراير بين شرعية الملك وشرعية المنتخب، وفضل تدبير السلطة بمقتضى التوافق والتراضي، لأنه يعرف أن الدولة تحتاج إلى جهد ووقت لتتدرب على وجود دستور جديد يقسم السلطة بين الجالس على العرش والخارج من صندوق الاقتراع. ثانيا، عمد بنكيران إلى وضع أجندة حزبه وحركته الإيديولوجية على جانب، والتصرف كتقنوقراطي «ليبرالي» جاء ليخفض نسبة العجز في الميزانية، ويقلص من دعم الدولة للمواد الأساسية، ويصلح صناديق التقاعد بوصفات قاسية لم يقدر من سبقوه على فعلها، أما قضايا الأخلاق والتربية واللغة ومظاهر التدين، وغيرها من مفردات الأجندة الإيديولوجية للإسلاميين، فقد ابتعد عنها رئيس الحكومة إطلاقا، حتى إن بنكيران لم يكن من رأيه وصول مولاي عمر بن حماد، المعروف بميوله «السلفية»، إلى قيادة حركة التوحيد والإصلاح في مؤتمرها الأخير، وخرج مسروراً عندما وقع اختيار إخوانه في الحركة على وجه شاب ومعتدل وعصري هو عبد الرحيم الشيخي، الذي كان عضوا نشيطا في ديوانه الوزاري.

ثالث ورقة لعبها بنكيران لربح رهان التطبيع مع القصر هي عدم وضع رجال ونساء الحزب في الإدارة ودواليب الدولة كما فعل آخرون، حيث ظل إلى الآن حريصا على الابتعاد عن «تهمة أخونة الدولة»، رغم أن القانون والدستور والأعراف الديمقراطية تسمح لأي حزب منتخب بأن يضع رجاله ونساءه في موقع القرار لكي ينفذوا سياسته وبرنامجه وتصوره لإدارة الحكم. أكثر من 350 مسؤولا عينوا في مناصب إدارية مختلفة في السنوات الثلاث الماضية لم يكن من بينهم سوى أقل من عشرة أشخاص أعضاء في الحزب أو مقربين منه، أما الباقون فينتمون إلى أحزاب أخرى بعضها في المعارضة، أو تقنوقراط لا انتماء سياسي لهم. أكثر من هذا، تنازل بنكيران طوعا عن حقه في اقتراح الأسماء الكبيرة في المناصب الاستراتيجية في الأمن والمؤسسات العمومية والسفارات، وغيرها من المناصب الحساسة في الدولة والتي لم يتغير جلها إلى الآن…

مع كل هذه التنازلات لم يفقد الحزب شعبيته الكبيرة مقارنة بغيره من الأحزاب، إلى الآن على الأقل، وذلك لأن بنكيران، من جهة، اعتمد استراتيجية تواصلية فعالة وناجحة وابتعد عن لغة الخشب كثيرا، وتكلم بلغة جديدة مع جمهوره وطالبهم بالصبر لأن طريق الإصلاح طويل والتماسيح والعفاريت في كل مكان. من جهة أخرى، بقي بنكيران حريصا على العناية بالحزب وأجهزته وتوسيع رقعته، ولم يرتكب الخطأ الذي قام به اليوسفي عندما أهمل الاتحاد الاشتراكي إبان حكومة التناوب، بالعكس، حزب المصباح، حسب رأي المتتبعين، قد يكون ضاعف أعضاءه ثلاث أو أربع مرات (كان عدد المنخرطين فيه قبل الحكومة حوالي 15 ألف عضو، واليوم هناك أكثر من 50 ألفا الذين يحملون بطائق الانخراط).

الآن الحزب ربح، إلى حد ما، رهان التطبيع مع القصر، وصار حزبا كباقي الأحزاب، ولم يعد مهددا بالحل أو مصدرا للقلق والهواجس التي دفعت الدولة إلى خلق حزب اصطناعي لمواجهته بأساليب السلطة سنة 2009. فهل يستطيع حزب العدالة والتنمية أن يتحول إلى الرهان على دمقرطة المغرب بعد أن نجح في تطبيع وجوده في الدولة؟ هذا هو السؤال الأصعب في المرحلة المقبلة، وجزء من التوتر الحاصل اليوم بين وزارة الداخلية وبعض قيادات الحزب قادم من تصورين مختلفين للعلاقة مع الدولة؛ الأول يعتبر أن التطبيع مع السلطة يجب أن يساعد عجلة الإصلاح الديمقراطي على الدوران بسرعة وليونة أكبر، والبعض يرى أن التطبيع مع الدولة أولوية الأولويات، وإذا تعارض هذا الهدف السامي مع أي شي آخر فإن الاختيار واضح… لا يجوز تهديد العلاقات الجيدة مع الدولة تحت أي مبرر مهما كان…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وماذا بعد ربح رهان التطبيع مع القصر وماذا بعد ربح رهان التطبيع مع القصر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca