ما خفي كان أعظم

الدار البيضاء اليوم  -

ما خفي كان أعظم

توفيق بو عشرين

مرة أخرى يقف المجلس الأعلى للحسابات على اختلالات عدة تقع فيها الأحزاب السياسية وهي تدبر ماليتها الصغيرة. أحزاب تسعى إلى السلطة لإدارة الدولة ومالية 35 مليون مغربي وهي غير قادرة على إدارة ميزانية بضعة ملايين من الدراهم في مؤسساتها الصغيرة، فكيف يثق الناخبون في أحزاب لا تقدم فواتير عما تصرفه من أموال الدعم؟ وكيف يسلمون لها إدارة 40 مليار دولار تقريبا، هي قيمة الميزانية السنوية للمغرب، وهي لا تحسن إدارة 4 ملايين درهم؟

ماذا جاء في تقرير جطو؟

15 حزبا قدمت حساباتها في الموعد القانوني للمجلس الأعلى المكلف بمراقبة كيفية صرف الدعم العمومي للأحزاب، لكن 19 حزبا أخرى لم تقدم تقاريرها المالية في الموعد القانوني. 11 حزبا قدمت تقارير مالية «فياسكو»، أي أوراقا إنشائية وليست أوراقا محاسبية صادرة عن مكاتب محاسبة معترف بها، بمعنى أن 11 حزبا تضحك على الدولة وتبعث إليها أوراقا لا قيمة لها على أنها تقارير مالية، بدون أسباب ولا مسك للحسابات بطريقة منظمة، وهذه المهمة السهلة التي يقوم بها البقال والجزار وصاحب المقاولة الصغيرة لا تقدر عليها أحزاب سياسية تزعم أنها تريد أن تغير المغرب وسكانه وعقلياته ومحيطه الاستراتيجي وبنية اقتصاده، أي أن هذه الأحزاب لها مشروع مجتمعي، يميني أو يساري أو وسطي، كبير لكنها لا تستطيع أن تكلف مكتب محاسبة بإعداد تقارير مضبوطة عن ماليتها مقابل 5 آلاف أو 10 آلاف درهم على أكثر تقدير (عاشت أحزابنا السياسية وعذرا للدكاكين والحوانيت التي كنا نسمى بعض الأحزاب بأسمائها، واتضح الآن أن الدكاكين منظمة بطريقة أفضل من جل الأحزاب السياسية).

16 مليون درهم صرفت من قبل الأحزاب من المال العام، ولم تقدم هذه الأحزاب أي دليل محاسباتي على أوجه صرف هذا المبلغ الصغير، لكنه كبير بمنطق الأخلاق والسمعة السياسية للأحزاب…

سجل المجلس كذلك أن الأحزاب لم ترجع 5 ملايين درهم و774 ألفا و102 درهم للدولة، والتي تتعلق بدعم الدولة برسم الانتخابات الجماعية لسنة 2009 وانتخابات 25 نونبر 2011. وعلى رأس الأحزاب التي لم ترجع الدعم هناك حزب العدالة والتنمية، الذي بقي في ذمته حوالي 2 مليون درهم، تتعلق بعدم إدلائه بوثائق لتبرير صرف هذا المبلغ برسم تمويل حملات انتخابات 25 نونبر 2011، متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة، بحوالي 1 مليون درهم، والأحرار بحوالي مليون درهم، والحزب المغربي الليبرالي بحوالي مليون درهم. التقرير أشار إلى أن المسؤولين الوطنيين لكل من البيجيدي والأصالة والمعاصرة التزما بتسوية هذه الوضعية، أما المسؤول الوطني لحزب الأحرار فرد بأنه لم يتمكن من تبرير صرف المبلغ أعلاه . وبخصوص الحزب المغربي الليبرالي (السبع)، يشير التقرير إلى أن مسؤوله الوطني أوضح أن الحزب دفع 400 ألف درهم من هذا الدين سنة 2014، لكن المجلس الأعلى للحسابات لم يتوصل بما يفيد تسديد هذا المبلغ.

لنترك الأرقام جانبا، ونحاول أن نفسر أسباب هذه الاختلالات في جل الأحزاب، في اليمين واليسار والوسط، كبيرها وصغيرها…

يعرف علماء السياسة الديمقراطية بأنها دولة الأحزاب، وهذا معناه أن الحزب كمؤسسة له دور كبير في الأنظمة الحديثة، فهو الذي يؤطر المواطنين وفق توجه معين، وهو الذي يفكر في البرامج، وهو الذي يتسلم التفويض من الإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع للحكم، لكن الحزب يحتاج إلى فكرة وقاعدة اجتماعية ومشروعية وإدارة وعقل يفكر ويخطط، ومناخ حر يعترف بالتعددية ويحترمها.. هنا يضيع الخيط في المغرب، فالأحزاب الحقيقية كانت ولاتزال محاربة من قبل الدولة، ولهذا لا يقصدها الكثيرون خوفا أو رهبة من عصا السلطة، والأحزاب الكرتونية تولد وفي فمها ملعقة من ذهب فلا تفطم عن الرضاعة أبدا، ولهذا يعشش فيها نحل الانتهازيين. هذا هو المشكل الأول. الثاني هو أن أغلبية الأحزاب صارت قبلة للفاشلين والمعطوبين فكريا وسياسيا ومن لا عمل ولا مهنة ولا مستقبل له. أصبحت السياسة مدرة للدخل وللوجاهة عند هؤلاء، والمصيبة أن أحزابا حقيقية وكبيرة ابتليت بهذا الداء، وأصبح قادتها سماسرة انتخابات، لا تهمهم أفكار ولا برامج ولا إدارة ولا تنظيم. مثل هذه الأحزاب ترحب بها الدولة لأنها تخدم استراتيجية كبيرة، وهي تمييع الظاهرة الحزبية، وتفريخ الأحزاب لقتل التعددية، وجعل أصوات الناخبين تضيع بين قبائل كثيرة، وهنا تُقتل الإرادة الشعبية. ثالثا، نمط الاقتراع في المغرب، واستعمال المال السياسي، وعدم حياد الإدارة تنعش أحزاب «الميكا»، وتضرب الأحزاب الحقيقية في مقتل، ولهذا، فإن ما يقوله إدريس جطو عن اختلالات مالية في جل الأحزاب ما هو إلا الظاهر من جبل الجليد أما ما خفية فكان أعظم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما خفي كان أعظم ما خفي كان أعظم



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca