قرارات خاطئة

الدار البيضاء اليوم  -

قرارات خاطئة

توفيق بو عشرين

ليس جيدا أن نبدأ السنة الجديدة ‘‘بالنكير’’ على حكومة بنكيران التي تستبشر خيرا بسنة 2015 بعد انخفاض ثمن البترول في السوق الدولي، وهطول كميات كبيرة من الأمطار هذه السنة، وارتفاع مستوى الانسجام بين أحزاب الأغلبية والتقنوقراط في الحكومة، ونزول أسهم المعارضة التائهة في كواليس السياسة. ليس جيدا أن نفسد أفراح نهاية السنة على المواطنين، ونحدثهم عن قرارات خاطئة اتخذت السنة الماضية، لكن ماذا نفعل؟ هذه هي وظيفة الصحافة.. أن تصور نصف الكأس الفارغ، أما المملوء فتترك تسويقه للحكومة ولوزير الدعاية فيها، الزميل مصطفى الخلفي، الذي أصبح متخصصا في صباغة السياسات الحكومية بالأبيض الناصع، وصار لسانه أقرب إلى الخشب منه إلى شيء آخر، وهذه مهمته على كل حال…

أول قرار خاطئ أنهى به المركز السينمائي المغربي ووراءه وزارة الاتصال وغيرها من الوزارات السنة الماضية هو منع فيلم «الخروج.. آلهة وملوك» للمخرج العالمي ريدلي سكوت. لماذا هذا القرار خاطئ؟ أولا، لأن الفيلم في نهاية الأمر فيلم وقصة وإبداع، قوامه الخيال، وليس كتابا في التاريخ أو اللاهوت أو علم الكلام، حتى نؤاخذ المخرج الكبير على رؤيته الدينية أو الفلسفية أو العقائدية. ثانيا، نحن بلاد اختارت الانفتاح والحرية، ومنع فيلم سينمائي يضعنا في خانة دول الخليج وأفغانستان وباكستان، وغيرها من الدول المنغلقة التي يتحكم الفكر السلفي أو الأصولي أو الوهابي في عقلها الأمني والسياسي، وهذا أمر لا يليق بمملكة تبعد عن أوروبا بـ12 كيلومترا. ثالثا، الفيلم معروض في قاعة سينما، وليس في قارعة الطريق، أو في تلفزة عمومية. بمعنى أن المواطنين المغاربة يملكون عقولا وليس أكياس عجين، ويستطيعون أن يتخذوا قرارا بمشاهدة الفيلم أو مقاطعته، والذي يشاهد الفيلم له عقل ومنطق وذوق ورؤية، ويستطيع أن يأخذ ويرد من الفيلم ومن الرؤية التي تحكمه، والحكومة والفاسي الفهري لا يملكان وصاية على عقول الناس حتى يحددا ما يروقهم وما لا يروقهم. الأمن لا دخل له في الأفكار والآراء والإبداع. رابعا، في البلاد حزب إسلامي يقود الحكومة، وهناك ما يكفي من سوء الفهم بينه وبين تيارات ودول وحكومات ومنظمات مازالت ترى أنه حزب معادٍ للحريات الفردية، وقد أبدى هذا الحزب مرونة كبيرة وحكمة في إبعاد أجندته الإيديولوجية عن عمله الحكومي وقراراته السياسية، والذي دفع إلى هذا القرار من داخل الحكومة أو من خارجها لمنع فيلم «آلهة وملوك»، بقصد أو بغير قصد، يريد أن يجر «البي جي دي» إلى معارك ‘‘خاوية’’. المعنى واضح، وقصة استقلال المركز السينمائي عن التأثير السياسي لا يصدقها حتى الأطفال. انتهى الكلام في هذه النقطة…

القرار الخاطئ الثاني هو تأخر الحكومة في اتخاذ موقف واضح من فضيحة ملعب مولاي عبد الله. لقد أخبروا الرأي العام بأن التقرير سيكون جاهزا قبل يوم الثلاثاء ما قبل الماضي، والآن مر أكثر من 10 أيام، ولا أثر لهذا التقرير. الجميع يقول في الكواليس إن التقرير أسود، وهو يدين الوزير أوزين، لكن الجميع ينتظر الإشارات من فوق لاتخاذ القرار، وهذا أمر لا يخدم أحدا. عندما يخرج العنصر ويقول إن المسؤولية السياسية عما جرى يتحملها أوزين، فهذا معناه أن على الوزير أن يحرر استقالته، وإذا لم يفعل فعلى رئيس الحكومة أن يطلب إقالته، أما أن يستمر أوزين عضوا في الحكومة بهذه الطريقة معلقاً، لا هو متزوج ولا هو مطلق، فهذا معناه أن الحكومة والدولة لا تعيران اهتماما للرأي العام، وأن الدولة والحكومة معا لا تريدان للرأي العام والصحافة أن تصير لهما سلطة وكلمة وقرار، وهذا أمر لا يخدم علاقة الثقة التي كنا ننتظر أن تستقر في علاقة الحاكمين بالمحكومين بعد دستور 2011…

القرار الثالث الذي كان يجب أن نتريث فيه وأن نناقشه، وأن نطيل النظر فيه، هو قرار الامتناع عن تنظيم تظاهرة قارية مثل «الكان»، والدخول في مواجهة مفتوحة مع «الفيفا» و«الكاف»، والتعرض لعقوبات قاسية، ومنها إقصاء المنتخب الوطني لكرة القدم من المشاركة في تصفيات كأس إفريقيا، وأكثر من هذا إعطاء وسائل الدعاية ضد المغرب المادة الكافية لتصويره وكأنه يهرب من تنظيم عرس كروي كبير بسبب فيروس إيبولا، الذي لا توجد دلائل قوية على احتمال أنه سيشكل خطرا كبيرا على الصحة العامة في المغرب

ماذا تعني هذه النماذج التي سقناها من قرارات سياسية خاطئة؟ هذا معناه أن العقل السياسي المغربي مطلوب منه أن يبذل مجهودا أكبر في إنضاج القرارات، وأن يرسي آليات حديثة ومتطورة لصناعة القرار وطبخه على نار هادئة…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرارات خاطئة قرارات خاطئة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca