تسامح ملك

الدار البيضاء اليوم  -

تسامح ملك

توفيق بوعشرين

كشف مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، صباح أمس في ندوة حول إصلاح منظومة العدل في المغرب ومصر وتونس، التي نظمها مركز كارنيغي الأمريكي، واحدة من أسرار السياسة الجنائية في المغرب، حيث قال: «إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس أوصى وزارة العدل بأن توجه النيابة العامة إلى عدم متابعة أي مغربي أساء إليه أمام القضاء وهو يعبر عن رأيه». وقال الرميد إن الملك أخبره بأنه لا يريد من شعبه أن يخافه، بل يريد من شعبه أن يحبه ويحترمه، «لهذا لا تتابعوا أحدا أمام القضاء باسمي».

هل تحترم السلطات القضائية وغير القضائية كلها هذه التوجيهات الملكية؟ هذا موضوع آخر، لكن يكفي أن يعرف الرأي العام أن الجالس على العرش يوجه وزيره في العدل إلى ضرورة التسامح مع المواطنين، ليس فقط من ينتقدون السياسات الملكية، بل حتى الذين يخونهم الذوق والأسلوب والاحترام والتوقير الواجب لرئيس الدولة.. حتى هؤلاء يعلن الملك رفع يده عن متابعتهم أمام القضاء، وهذا موقف يستحق التنويه، ويستحق أن يرفع في وجه الذين مازالوا مصابين بحساسية من النقد في كل مستويات السلطة، في الإدارة والجيش والأمن والاقتصاد والأحزاب والحكومة، وحتى المجتمع المدني…

ونحن نناقش المشروع الجديد لقانون الصحافة على ما فيه من تقدم، نلحظ أن المشروع الحكومي أزال عقوبات حبسية كثيرة من المشروع الجديد، لكن هذا المشروع أبقى قنطرة غير مرئية نحو القانون الجنائي بخصوص ثلاث قضايا: الملك والدين والصحراء، أي أن إرادة المشرع تذهب إلى إقرار عقوبات حبسية على ما يمكن أن يصدر من كتابات أو مواقف بهذا الشأن، وهذا ما يعكس هواجس الماضي وخوف الحكومة من الاقتراب مما يعتبر خطوطا حمراء…

يحكي لي أحد المسؤولين السابقين في الدولة أن مستشارا ملكيا جاء في بداية العهد الجديد إلى الملك محمد السادس يطلب منه التحرك ضد الصحافة المستقلة وبعض الأقلام التي رآها تتجرأ على المقام العالي، فرد عليه الملك الشاب آنذاك بالقول: «اتركهم لضمائرهم.. اتركهم، سيتعبون مع الوقت».

طيلة 15 سنة وقعت حوادث كثيرة في علاقة الدولة بالصحافيين والحقوقيين والمعارضين.. حوادث خلفت أضرارا جسيمة يصعب إصلاحها، وفي كثير من الأحيان كان الملك يتدخل ويعفو عن هؤلاء بعد أن يدينهم القضاء بملفات فارغة حينا ومملوءة حيناً آخر، لكن في كل الحالات حاول القصر أن يبقى على مسافة بينه وبين التجاوزات التي تقع من الطرفين: السلطة التي تنصب نفسها حامية للقصر دون أن يكلفها أحد بذلك، فتعتقل وتفبرك الملفات، وتضيق على من تراهم أعداء للنظام من جهة، ومن جهة أخرى بعض المعارضين والمشاكسين الذين يتجاوزون حدود القانون والدستور الذي يحمي رئيس الدولة، شأنه شأن أي مواطن، من السب والقذف والتعرض للحياة الخاصة…

داهية العرب، معاوية بن أبي سفيان، كان يقول: «والله لو بقيت بيني وبين أعدائي شعرة واحدة ما قطعتها»، وفي جانب آخر كان يقول لأتباعه الذين يحرضونه على قتال من ينتقدونه: «معاوية لا يستعمل سيفه حيث يكفي لسانه، ولا يستعمل لسانه حيث يكفي ماله».

لا تنجو أية سلطة من النقد وحتى التجريح، لكن الفرق بين سلطة وأخرى يكمن في كيفية علاج الآثار الجانبية للنقد مهما بلغت حدته…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسامح ملك تسامح ملك



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca