بنكيران الصباغ

الدار البيضاء اليوم  -

بنكيران الصباغ

توفيق بوعشرين


 رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، «تيكوي ويبخ»، يجرح ويداوي، وفي النهاية يقول إذا ظهر المعنى لا فائدة في التكرار.

في آخر ظهور له في تطوان، رجع رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، إلى مشروع المرسوم الذي أثار جدلا كبيرا، وأصاب الرأي العام بصدمة، ويتعلق الأمر بتعويضات سكن الولاة والعمال والقياد والباشوات و«الخليفات»، حيث تنوي الحكومة التبرع للوالي بـ32 ألف درهم خام كل شهر، وإعطاء العمال 22 ألف درهم خام كل شهر…

رئيس الحكومة قال إن كل ما يروج حول الموضوع غير صحيح، وهذا كلام غير دقيق يا سيادة رئيس الحكومة. مشروع المرسوم موجود، ونشره وزيرك الضحاك في الموقع الرسمي للوزارة، وهذه الجريدة أول من تناول الموضوع، وكنا أول من طالبك بالتراجع عن هذا المشروع الذي مر من مكتبك إلى الأمانة العامة للحكومة، وكان مبرمجا غداً الخميس، ولولا الضجة الإعلامية التي ثارت حوله لقضي أمره الآن.

نعم المبلغ خام، وهو يخص أطر الإدارة الترابية في العاصمة، لكنه غير مقبول ولا تحتاج إلى أن تبرره بكونه يتعلق بـ6 في المائة من الأطر المركزية في وزارة الداخلية. المسألة مسألة مبدأ.. كيف تقول للنقابات إن الزيادة في أجور الموظفين الآن خط أحمر، ثم تفتح صرة الذهب للكبار؟ وكيف تقول للرأي العام إن البلاد كانت على حافة الإفلاس، وإنك اقترضت من أوروبا لأداء أجور الموظفين، ثم تأتي وتعطي الولاة 32 ألف درهم تعويضا عن السكن كل شهر؟ هذا ريع صريح، وأنت ووزيرك في الداخلية فتحتما الباب للمعارضة لتقول إن هذه رشوة انتخابية للأطر المنعم عليهم بالتعويضات الخيالية لأنهم من سيشرف على تنظيم الانتخابات المقبلة، لهذا، فلا عيب في التراجع عن هذا الخطأ حتى إن كان توقيعك لم يوضع على المرسوم. التراجع عن الخطأ فضيلة رجال الدولة الكبار، وجلَّ من لا يخطئ…

العجيب أن رئيس الحكومة، وفي خطاب تطوان نفسه، لمح إلى واقعة تاريخية تسير عكس مشروع مرسوم تعويضات رجال السلطة هذا، وذلك عندما قال للجمهور الذي حضر الخطاب: «كلكم تعرفون أن الشرارة الأولى للفتنة الكبرى في الإسلام جاءت عندما أغدق الخليفة الثالث عثمان بن عفان الامتيازات على عماله وولاته في المناطق»… هذه رسالة واضحة إلى وزارة الداخلية من رئيس الحكومة وعلى الهواء مباشرة، فبنكيران يقول لحصاد ومن معه ما معناه: إن تعويضات السكن الممنوحة بكرم حاتمي للولاة والعمال قد تكون شرارة للفتنة في المغرب إذا مرت من المجلس الحكومي.

ما هذه الألغاز؟

لماذا لم يعترض بنكيران على مشروع المرسوم، سواء «مول» 32 ألف درهم أو 45 ألف درهم؟ البعض يقول إن بنكيران لا «يخرج عينه» إلا في وجه الفقراء، والبعض يقول إن هامش المناورة أمام بنكيران ضيق إزاء الوزارات السيادية، ولهذا فإنه يستعمل «عين ميكا»، لكن عندما يخرج الموضوع إلى العلن فإنه ينقلب على مواقفه 180 درجة، ويترك أصحاب الحال أمام الرأي العام، وينفذ بجلده…

لفهم أسلوب بنكيران في إدارة الملفات المعقدة والشائكة، يجب تأمل هذا المثل الذي يكرره هو نفسه عن وضعه وعمله وعلاقته بخصومه.. يقول بنكيران: «حالي مثل حال صباغ فوق السرير (السلم المعلق) وتحته أشخاص يهزونه هزا ليسقط الصباغ من فوق، ومع هذه المحنة يطالبونني بأن أصبغ جيدا، والسلم يتحرك من تحت قدميّ، أشمن صباغة؟ إذا لم أسقط من فوق فهذا إنجاز…».

هذه الصورة البليغة تلخص الكثير من الكلام عن وضع رئيس الحكومة في الظروف الحالية، لكن مع التسليم ببلاغة التعبير، لا بد من مناقشة واقع الحال.. من مهامك، يا رئيس الحكومة، أن «تصبغ» البلاد وأنت تقاوم خصومك، وأن تحقق إنجازات في الوقت نفسه. وإذا عجزت، يمكنك أن تنزل من السلم وتترك الجمل بما حمل، ليس تهربا من المسؤولية، ولكن إقرارا بأعطاب هذه التركيبة السياسية التي تسمح للصباغ بالصعود إلى السلم، وبعد ذلك تمنعه من أداء عمله. أنت لا تريد أن تشتغل بالدستور وبالصلاحيات التي يمنحها لك، لذلك عليك أن تجد حلولا لمشاكلك مع القابعين تحت السلم، وفي كل الأحوال، الصباغة لا يمكن أن تتوقف، وإلا فإن مصالح البلاد والعباد في خطر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بنكيران الصباغ بنكيران الصباغ



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca