القضاء عندنا مشغول بما هو أهم ..

الدار البيضاء اليوم  -

القضاء عندنا مشغول بما هو أهم

توفيق بو عشرين


المال أساس كل شر يقول الإنجيل، لكن الرأسمالية المعاصرة قلبت الآية، وقالت  نقص المال أساس كل شر، لهذا يسعى الجميع الى وضع يده على اكبر سلطة على وجه الارض المال، الذي يفتح الطرق في البحر، ويحل جل المشاكل، ويجعل الصعب سهلا والقبيح جميلا، لكن الأمر لا يخلو من استثناءات  …
 رسميا وجهت النيابة العامة الفرنسية أول أمس  الاتهام إلى البنك الانجليزي العملاق ( اتش اس بي سي)  بوقوفه خلف تبييض واسع للأموال، وتشجيع عملائه الفرنسيين على التهرب الضريبي، وفرضت المحكمة بسرعة على فرع البنك بفرنسا وضع كفالة مليار أورو في خزينة القضاء،  في انتظار بث المحكمة في الموضوع ..
القضية انفجرت قبل شهر وزيادة، عن طريق تحقيقات صحفية اعتمدت قوائم للزبناء البنك سربها موظف سابق في فرع البنك بسويسرا، وشرح الموظف للصحافة، كيف ان البنك يساعد زبناءه على التهرب الضريبي وعلى انشاء شركات وهمية، وعلى الهجرة الى الجنات الضريبية وغيرها من الممارسات المجرمة في جل دول العالم …ا لبنك نفى طبعا جل التهم واستأنف الحكم، وقال ان كفالة مليار اوروا ثقيلة وبدا بإعداد جيش من المحامين المتخصصين في مثل هذه القضايا للدفاع عن نفسه امام قضاء شامخ …
تذكرت وانا أقرأ قرار النيابة العامة الفرنسية متابعة البنك العملاق  وزبنائه الفرنسيين، الذي اخفوا المليارات من الدولارات عن مصالح الضرائب، تذكرت اننا معنيون  أيضاً بهذا الموضوع وان هناك مغاربة نشرت الصحافة العالمية أسماءهم ضمن زبناء البنك، ولم يعلقوا على القرار ولا اصدروا بيانا، كما فعل القصر الملكي، الذي بعث رسالة الى لوموند يشرح مبررات فتح الملك لحساب في هذا البنك، وان المال الذي خرج من المغرب خرج بترخيص من مكتب الصرف، لكن ماذا عن مئات المغاربة الآخرين وفيهم سياسيون ورجال اعمال وشخصيات عمومية، وضعت ملايين الاوروهات في الخزينة السميكة للبنك في جنيف،  لماذا لم يشرحوا للراي العام قصة وجود أسمائهم ضمن زبناء البنك السويسري الانجليزي؟ …
عندنا النيابة العامة مشغولة بموضوعات اهم من متابعة هذه الملفات،  نيابة مراكش مهتمة بانتخابات نقيب المحامين في المدينة الحمراء ولهذا طعن الوكيل العام للملك هناك في انتخابات نزيهة وشفافة فقط لان النقيب محمد الصباري لا يعجب السيد الوكيل العام، الذي تعكر مزاجه بعد ان نقل من أكادير الى مراكش بعد 17 السنة في خدمة العدالة، والأدهى ان القضاء سايره في هذا الطعن وأبطل انتخابات النقيب لاسباب واهية…
النيابة العامة في الرباط قصة اخرى، وكيل الملك بها مشغول بمن دخل ومن خرج الى بيت صحافي شاب اسمه هشام المنصوري، لهذا جند وكيل الملك  قوة عمومية كبيرة ووقت طويل ولوجستيك متطور لضبطه وأحضاره مع سيدة بتهمة ممارسة الغرام، ولما عرض على التحقيق وجد قائمة أسئلة لا علاقة لها بغرف النوم ولما ذهب الى المحكمة وجد الحكم ينتظره 10 اشهر حبسا، و”اللي ما عجبوش الحال يخوي ألما على كرشو”…
النيابة العامة في الدار البيضاء مشغولة هي الاخرى بالعفة والأخلاق وحسن سير سلوك أعضاء جماعة العدل والاحسان دون غيرها .. ولهذا كلما وضع رجل منهم رجله في أعتاب  بيت امرأة وجد خلفه قوة عمومية كبيرة تعتقله وتقدمه للعدالة بدعوى ان السكان قدموا شكاية تتهم الضنين بإعداد  وكر للغرام والذي يعرفه هذا العبد الضعيف  ان جريمة الزنى في الاسلام من اصعب الجرائم إثباتا ولهذا أحاطها الفقهاء بضمانات كثيرة ومنها شهادة الشهود على الاتصال المباشر بين الرجل والمرأة في المكان والوقت الضيق …
هذه بعض مشاغل النيابة العامة عندنا في المغرب ولهذا لا وقت لديها لتتبع الجرائم المالية انها مشغولة جداً بقضايا اهم وهي تنافس قوات المطاوعة في السعودية; ولم يبق أمامها الا ان تسير حراس العفة في الشوارع لمنع اتصال الرجال بالنساء واحترام مواعيد الصلاة في المساجد بالدقيقة والثانية …
والمشكل ان القضاء الجالس يطاوع القضاء الواقف في اجتهاداته الأخلاقية، ولا يرفض الاول للثاني طلبا وكيف يرفض جار لجاره طلبا، خاصة اذا كانت يد النيابة العامة طويلة في الهيات التقريرية للقضاة …
عندنا يستدعي قاضي التحقيق الوزير السابق  12 المرة الى المثول أمامه لاستكمال التحقيق،  فلا يستجيب المتهم الكبير، فماذا يفعل القاضي؟، لا شيء يفوض أمره الى الله، وينشغل بالملفات الكثيرة الموضوعة على مكتبه..
استغرب وانا  أتابع السجالات القوية بين القضاة ووزارة العدل حول استقلالية النيابة العامة من عدمها  عن وزير العدل، وأقول مع نفسي الا يعرفون  ان النيابة العامة مستقلة عن وزير العدل منذ زمان، وان وزير العدل في أية حكومة هو الحلقة الأضعف في هذه الالة الجهنمية،  خصوصا اذا كان الوزير متشبعا ولو نسبيا بفكرة استقلالية القضاء، لهذا كان رأيي ان ترسيم استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل فكرة ليست سيئة، لانها لا تفعل شيئا غير مطابقة النص القانوني مع الواقع،  انها تضع سلطة  الاتهام في مواجهة المجتمع  بدون حواجز ولا أقنعة ولا مكياج  …

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القضاء عندنا مشغول بما هو أهم القضاء عندنا مشغول بما هو أهم



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca