الخاسر الأكبر

الدار البيضاء اليوم  -

الخاسر الأكبر

توفيق بو عشرين

كانت أمنية حميد شباط يوم فاز على ابن الزعيم علال الفاسي في انتخابات الأمانة العامة لحزب الاستقلال أن يرى شباطات في كل مكان، كانت هذه هي رغبة الشعبوي رقم واحد في المغرب، والتي عبر عنها في حوار شهير مع الصحافي المخضرم حميد برادة في مجلة جون أفريك. فهم الجميع آنذاك، أن الفائز المقبل في حزب السي عبد الرحيم بوعبيد هو إدريس لشكر، وكذلك كان. وضع الاثنان يدهما في يد إلياس العماري عُرّابُ الأصالة والمعاصرة، وصدقا حكاية أن الأخير مدعوم من جهة ما، وله نفوذ سحري على أشياء كثيرة في المغرب، وأن المستقبل معه لا مع غيره…

يوم الجمعة لم يسقط عمدة فاس عن عرشه فقط، ولم ينتكس شباط في معقله فقط، ولم ينهزم أمين عام الاستقلال بالضربة القاضية أمام مرشح يسكن في الرباط، ويترشح لأول في الانتخابات فقط، بل انهارت (الشباطية)، انهار نموذج السياسي الشعبوي الذي ملأ الدنيا صراخا وصخبا واتهامات وحماقات، انهار النموذج الذي يمثله حميد شباط، الذي نقل مناورات العمل النقابي إلى الحقل السياسي، ونزل بمنصب الأمين العام لأعرق حزب سياسي في المغرب إلى مستويات بهلوانية غير مسبوقة، انهارت الشباطية التي تستغبي عقول الناس وتحتقر ذكاءهم وتسوق لهم أي شيء. الشباطية لا ترى حرجا في اتهام رئيس الحكومة بأنه عميل للموساد وداعش والنصرة! ولا ترى عيبا في ربط فيضانات التشيك بالنحس المزعوم الذي يحمله بنكيران في نعليه…

 الشباطية ليست جديدة على المغرب، لكنها جمعت كل أعطاب الحقل السياسي والنقابي والحزبي في رجل واحد ثار على العائلة الفاسية في حزب الاستقلال، ليجلس أتباعه مكانهم، وليفسح لفوزي بنعلال والدكتور الكيحل ورحال المكاوي، مكانا مريحا في اللجنة التنفيذية للحزب، التي كان يجلس فيها بوقار كبار القادة الوطنيين في الزمن الجميل لحزب الاستقلال. يحسب لشباط أنه قدم عرضا سياسيا جديدا للنخب المتورطة في الفساد، أو قل عرضا قضائيا بموجبه يسخر الأمين العام لحزب الاستقلال الآلة الحزبية والإعلامية والفريق البرلماني والصوت المرتفع للدفاع عن المتهمين أمام القضاء، وحتى المحكومين بتهم ثقيلة أمام العدالة.. لقد بسط شباط حمايته على أبدوح في مراكش بعد أن أدانه القضاء، ووفر حماية غير مسبوقة للسيدة بادو، والشاب غلاب، والنجم احجيرة، بعد أن صدرت في حقهم تقارير سوداء عن المجلس الأعلى للحسابات.. مع كل هذه الممارسات، ترفع الشباطية شعار محاربة الفساد، وتتهم الآخرين بالاغتناء غير المشروع من الإدارة، ولا ترى تناقضا بين حماية الفرّاع في الصويرة والزبير بن سعدون في أصيلا وكريمين في بوزنيقة، والدفاع عن دولة الحق والقانون.    

لقد طرد الناخبون يوم الرابع من شتنبر حزبا عريقا مثل حزب الاستقلال من المدن إلى البوادي، من الحواضر الى خارج «بلاكة 40»، لأنهم لم يستوعبوا خروج شباط من الحكومة بتلك الطريقة الملتبسة، حيث أعار حزب الاستقلال أذنه لأطراف في السلطة أوهمته أن الوقت مناسب للإطاحة بحكومة الإسلاميين. وعندما فتح شباط النار على بنكيران، ولم يسقط هذا الأخير، وجد الأمين العام لحزب الاستقلال نفسه في ورطة كبيرة.

الطبقات الوسطى التي عاقبت الاستقلال في فاس والبيضاء والرباط والقنيطرة وطنجة وتطوان، لم تستوعب هجومه على الإصلاحات التي قامت بها حكومة بنكيران، وخاصة إصلاح صندوق المقاصة وتوقيف التوظيف المباشر في الوظيفة العمومية دون مباريات شفافة، وتخصيص منحة للأرامل، وغيرها من القرارات التي كانت صائبة، لكن شباط عارضها بقوة دون أن يطرح بديلا عنها…

إذا كان المواطن العادي في فاس قد قرر عقاب شباط شر ما يكون العقاب، وإسقاطه حتى من مقاطعة زواغة، التي يطلقون عليها في فاس باب العزيزية، فهل يستفيق الاستقلاليون من غفلتهم ويجلسون مع أمينهم العام ولجنته التنفيذية للحساب؟..

الذي أفتى على حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بتقديم نموذجين شعبويين لمواجهة بنكيران، أخطا الحساب والتقدير في فهم ظاهرة اسمها بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، فهو ليس ظاهرة صوتية، وليس موهبة خطابية فقط، بل هو قائد حزب سياسي ولد وكبر بطريقة طبيعية، ناضل في الشارع والمسجد والجمعية والجريدة، وقبل أن يدخل القصر دخل السجن. وقبل أن يذوق حلاوة السلطة، تجرع مرارة المعارضة. بنكيران اليوم، يرأس حزبا منظما بطريقة جيدة، ويدبر شؤون الحزب الداخلية بطريقة ديمقراطية غير موجودة في جل الأحزاب الأخرى، وهو حزب مستقل في قراراته عن السلطة، وله رقابة أخلاقية على أعضائه.

صحيح تنقصه الكفاءة والتجربة والأطر الكبيرة، لكنه حزب يتعلم ويتطور، وفوق هذا، مازال نقيا وهذا ما يصنع زعامة بنكيران اليوم، ولهذا صوت له مليون و700 ألف مواطن في المدن الكبرى، ليس شباط ولشكر من خرجا خاسرين في اقتراع 4 شتنبر، المغرب هو من خسر مدرستين كبيرتين اسمهما الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخاسر الأكبر الخاسر الأكبر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 05:41 2015 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

صور لبومة تشبه مارلين مونرو عندما تفرّق ريشها بسبب العواصف

GMT 12:31 2015 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

7 مناورات مشتركة للقوات البرية الروسية في 2016

GMT 12:14 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

بدء أعمال المنتدى الدولي للطاقة في الجزائر

GMT 02:16 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فرحة عارمة تعم شوارع المغرب بعد فوز فريق الوداد البيضاوي

GMT 17:52 2016 الجمعة ,15 إبريل / نيسان

المجوهرات دليل على حب الرجل للمرأة

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca