إنه وقت دفع الفاتورة..

الدار البيضاء اليوم  -

إنه وقت دفع الفاتورة

توفيق بوعشرين

إذا لم تدفع نتائج انتخابات 4 شتتبر حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي لمراجعة خياراتهما السياسية، وإذا لم تفلح رسالة الناخب المغربي في تحريض الحزبين العريقين على ممارسة النقد الذاتي، وإذا لم يكن لطرد الحزبين من المدن الكبرى مفعول الزلزال على عقلهما السياسي، فهذا معناه أن الحزبين يعيشان في غرفة العناية المركزة، وأن جسمهما لم يعد يتفاعل حتى مع الصعقات الكهربائية…

العقلاء يختلفون في تفسير الوقائع، والحمقى يختلفون على رؤية الواقع. والواقع يقول اليوم، إن الاتحاد الاشتراكي خسر أكثر من 600 مقعد في انتخابات 2015. (في 2009 حصل على 3226 مقعدا، وفي 2015 حصل فقط على 2656). وحزب لشكر لم يظفر بأية جهة من الجهات الـ 12. وحزب الوردة لا يُسيّر اليوم أية مدينة من المدن الكبرى والمؤثرة في حياة المواطنين. وهذا معناه أن الحزب خسر من الآن أوراقا كثيرة في سباق 2016، لكن الخسارة الكبرى للاتحاد هي فقدان قلوب الطبقات الوسطى، وخسارة المشروع اليساري الديمقراطي الذي كان رفاق بوعبيد يحملونه…

ألا يدعو إلى القلق هذا الصمت الذي يلف حزب الاتحاد اليوم، ويمنع قيادته من الخروج إلى الرأي العام وتحمل مسؤولية هذا الاخفاق. لا حياة لمن تنادي إلا من بعض الأصوات التي امتلكت الشجاعة لتكتب: (إن إسقاط البند الأخلاقي من ممارسة المسؤولية هو الطامة الكبرى في التحول الذي يعرفه اليسار اليوم. ففي الوقت الذي يتعالى فيه صوت الأخلاق في المجتمع، وتستعيد المقولات التأسيسية للسياسة النبيلة وهجها، يتوزع اليسار بين تفكير براغماتي غير نظيف أو انتهازي، أو يدخل في جوقة التوزيع الانتخابي للانتماء اليساري).

عبد الحميد جماهري جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد الاثنين 21 شتنبر.
حزب الاستقلال هو أيضا مُني بخسارة سياسية ورمزية أكثر منها انتخابية يوم 4 شتنبر. حزب علال الفاسي خرج في جولة (شباطية) ولم يرجع بعد إلى بيته وتربيته وروحه. (مناضل القرب) اختطف الحزب من يد عائلة الفاسي وراح يُقامر به في كازينوهات السياسة وبورصات المؤامرة، فتصور أن حكومة بنكيران قوس سرعان ما سيُقفل. وعوض أن ينتظر هذا الموعد، راح يعرض خدماته على الدولة العميقة، متصورا أنه يُسدي خدمات لها، ويسرع نهاية مسلسل مزعج. لهذا خرج من الحكومة على أمل إسقاطها، (وقلل من الحياء) على رئيس الحكومة، متوهما أنه سيقلل من مكانته في قلوب الناس. وفي الأخير فهم أن الدولة العميقة لها حزب واحد تراهن عليه هو «البام»، وأن الآخرين مجرد «كومبارس» في الفيلم إياه، (واللي معجبوش الحال يشرب البحر). شباط لم يبلع الإهانة، فقلب الطاولة ليلة الاثنين 14 شتنبر، فرد له وزير الداخلية حصاد الضربة يوم الخميس 17 شتنبر، وأعلنه مبتزا للدولة، أي سياسيا مارقا دمه حلال على من بقي من إخوانه، يؤمن بالدور الجديد لحزب الاستقلال في كنف الجرار…

لقد أخطا لشكر ورفاقه عندما لم يدخلوا حكومة بنكيران بعد انتخابات 2011 عندما صوت الناخب تحت تأثير الربيع العربي، وبدافع سياسي، وليس إيديولوجي، على التغيير الديمقراطي. وأخطأ لشكر عندما تصور أن أنجع طريقة لمعارضة بنكيران هي المعارضة الإيديولوجية التي تجعل من الاتحاد علمانيا والعدالة والتنمية أصوليا. لشكر ومعه بديعة الراضي حداثيان وبنكيران وأفتاتي ظلاميان. لشكر والمالكي مدافعان عن تساوي الرجل والمرأة في الإرث، وبنكيران والرميد مع الآية (وللذكر مثل حظ الأنثيين). لشكر وبلفقيه تاجر المحروقات في كلميم مع تجريم تعدد الزوجات، وبنكيران والشوباني مع مثنى وثلاث ورباع، أي عقل سياسي هذا الذي يترك السياسات العمومية والمسألة الاجتماعية والإصلاحات الديمقراطية ومطالب محاربة الفساد، ويذهب إلى خوض المعارك الخاسرة ويده في يد «البام»، الذي يعتبر اليوم أكبر إعاقة للتحول الديمقراطي في المغرب.. النتيجة أمامكم والأرقام لا تكذب..

لقد أخطا شباط وأتباعه عندما خرجوا من حكومة بنكيران بدون أسباب معقولة، وفقط لعرقلة الإصلاحات المهمة التي كانت في الطريق. وأخطأ شباط عندما سمح لشعبويته أن تتحول إلى تهريج سياسي نَفّر الناس منه ومن حزبه. وأخطأ عندما تصور أنه سيلعب الأدوار الرئيسية في الفيلم إياه، والنتيجة أن أهل فاس نابوا عن المغاربة في إسقاطه، وبالضربة القاضية في معقله التاريخي..

الآن، يريد شباط أن يصحح خطأه، وأن يرجع إلى المساندة النقدية للحكومة قبل فوات الأوان. هذا ممكن، لكن بشرط أن ينزل شباط من القيادة أو أن يتبع الإشارة التي تكتب في الطريق السيار (آخر خروج قبل الأداء).
مرة أخرى نرددها، الذين صوتوا لـ«لبي جي دي» لم يصوتوا لبرنامج أصولي، ولا لخطة دينية، ولا لتوجه محافظ. الذين صوتوا لعبد الإله بنكيران صوتوا لشعار: «صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد»، هذا هو الصوت العميق الذي تردد يوم 4 شتنبر في المدن الكبرى. والذين سقطوا يوم الرابع من شتنبر لم يسقطوا لأنهم يساريون أو ليبراليون، ولكنهم رسبوا لأنهم أخطؤوا الحساب، وأخطؤوا الموعد وأخطؤوا التحالفات… وأخطؤوا قراءة طبيعة المعركة وشكل المستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنه وقت دفع الفاتورة إنه وقت دفع الفاتورة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 05:41 2015 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

صور لبومة تشبه مارلين مونرو عندما تفرّق ريشها بسبب العواصف

GMT 12:31 2015 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

7 مناورات مشتركة للقوات البرية الروسية في 2016

GMT 12:14 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

بدء أعمال المنتدى الدولي للطاقة في الجزائر

GMT 02:16 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فرحة عارمة تعم شوارع المغرب بعد فوز فريق الوداد البيضاوي

GMT 17:52 2016 الجمعة ,15 إبريل / نيسان

المجوهرات دليل على حب الرجل للمرأة

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca