امتحان الضمير

الدار البيضاء اليوم  -

امتحان الضمير

بقلم : توفيق بو عشرين

لسنوات والعالم يتابع بإعجاب الديمقراطية الأمريكية، ويرى حسناتها في إدارة بلد من 50 ولاية مختلفة في أشياء كثيرة، لكنها تنام وتستيقظ تحت علم واحد. الآن جاء الوقت ليرى العالم سيئات هذه الديمقراطية، وكيف يصل مرشح شعبوي إلى الرئاسة محاولا، قبل كل شيء، العبث بنظام القيم الليبرالية، بل بقيم الفكر الإنساني… إنها نبوءة تشرتشل تتحقق (كل الأنظمة السياسية سيئة، لكن الديمقراطية هي الأفضل بين كل هذا السوء).

منذ مجيء ترامب إلى السلطة قبل ثلاثة أسابيع وهو يثير الزوابع في كل مكان، لكن أخطر قرار اتخذه هو المتمثل في منع مسلمي سبع دول من دخول أمريكا، وجمع أكثر من 200 مليون مواطن من العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان وإيران والصومال في سلة واحدة، حيث علق ترامب على جباههم يافطة إرهابي أو مشروع إرهابي… هذا دون الالتفات إلى قرينة البراءة والمسؤولية الأخلاقية والإنسانية… وقبل أن يجف مداد القرار الرئاسي هذا، أصدر ترامب أوامره بعدم استقبال اللاجئين الفارين من هول الحرب في سوريا والعراق.

الغريب أن أقوى رد فعل على حماقات سمسار العقارات ترامب صدر عن الغرب، وعن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي هاجمت قرارات الرئيس الأمريكي، واعتبرتها مسيئة للمسلمين والإسلام، ودعت الإدارة الأمريكية إلى التراجع عنها لأنها ستشعل نار الحرب الدينية في العالم، في حين لم يمتلك أي زعيم عربي الجرأة أو الشجاعة لينتقد ترامب وحماقاته، رغم أن هذا القرار يهين كل العالم العربي والإسلامي، وعموم المجتمع الدولي الذي قطع أشواطا في نبذ العنصرية والتمييز بين البشر على أساس ديني أو عرقي أو لغوي.

أمريكيون كثيرون يشعرون بالخجل من سياسات تاجر جاهل بأحوال العالم وتعقيدات الصراعات فيه، ركب على ظهر الخطاب الشعبوي والحلول السهلة للمشاكل المعقدة، وها هو الآن يخرب صورة أمريكا في العالم، ويقدم هدايا لا توصف للظواهري والبغدادي، ولكل أمراء الإرهاب حول العالم، يعطيهم الدليل على وجود حرب دينية في هذا العصر، وأن الهلال مهدد من قبل الصليب، وأن معركة المسلمين اليوم لا تدور حول المصالح والإيديولوجيات والحدود والماء والنفط والمعابر والتجارة والأسواق والابتكار… بل تدور حول نصرة دين محمد (ص) المهدد من قبل المسيحيين، معتدلين ومتطرفين.

إذا كانت الانتخابات الأمريكية الأخيرة قد عرَّت أعطاب الإمبراطورية، وفضحت ثقافة الرجل الأبيض فيها الذي صوت لرئيس عنصري جاهل بأحوال العالم، يحتقر النساء والسود واللاتينيين والعرب والمسلمين، رأسماله الوحيد هو بيع الخوف ومعه الوهم باستعادة أمريكا قوتها بالعزلة عن العالم دبلوماسيا، واتباع سياسة احترازية اقتصاديا، ونهج التعصب ضد الآخر اجتماعيا… إذا كانت أمريكا اليوم تقدم أسوأ ما فيها للعالم، فقد كانت هناك فرصة أيضا ظهر من خلالها صوت أمريكا الأخرى، حيث رفض 900 دبلوماسي أمريكي قرارات ساكن البيت الأبيض، ورفض 16 وزير عدل محليا في الولايات تطبيق إجراءات محاصرة المهاجرين في ولاياتهم، وسمعنا أصوات فنانين ومثقفين وإعلاميين وسياسيين ورجال أعمال كبار يتبرؤون من سياسات ترامب، ورأى العالم مئات الآلاف من المواطنين الأمريكيين الذين خرجوا إلى الشارع حاملين شعار: “ليس باسمنا”.

باستثناء ترامب وفريق قليل حوله، لا يوجد من يدافع عن قرارات الرئيس الذي يحاول أن يظهر أمام ناخبيه بمظهر الوفي لبرنامجه.. “النبي” القوي الذي جاء لإنقاذ أمريكا من ضلالاتها، وسيزداد عزلة يوما بعد آخر، وسيصبح مصدر ضعف لأمريكا يوما بعد آخر، وإذا بقي سجين هذا التصور الخلاصي لمهامه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، فإنه سينتهي خارج البيت الأبيض قبل مضي سنواته الأربع، أي قبل نهاية ولايته، وإذا كان محظوظا، فإنه سيستقيل ويخرج على رجليه من البيت الأبيض، وإلا فإنه سيخرج محمولا في سيارة إسعاف، بعد استهدافه من قبل متعصب آخر أكثر منه في بلاد أطلقت الكثير من الرصاص على رؤسائها.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

امتحان الضمير امتحان الضمير



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca