نوايا الملك إزاء حراك الريف

الدار البيضاء اليوم  -

نوايا الملك إزاء حراك الريف

بقلم : توفيق بوعشرين

على الصحافيين المغاربة ومن ورائهم الرأي العام المغربي أن يشكروا الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون ليس فقط، لأنه خص المغرب بأول زيارة رسمية له إلى شمال إفريقيا والعالم العربي. وليس فقط، لأنه أدخل وزيرا شابا من الجالية المغربية في فرنسا إلى حكومته. لا، الأمر الذي يستحق عليه ماكرون شكرا خاصا، هو أنه نقل إلى المغاربة مشاعر الملك محمد السادس إزاء حراك الريف وفهمه للأزمة وبنواياه إزاء مستقبل إدارة هذا الحراك الاجتماعي…

الصحافي الفرنسي الذي رافق رئيسه إلى المغرب، طرح السؤال الأهم في الندوة الصحافية التي عقدها الرئيس في الرباط، أول أمس الأربعاء، فبدون مقدمات سأل الصحافي ماكرون: انتفاضة الريف اتسع نطاقها في الأسابيع الأخيرة، هل تثير انشغالكم باعتبارها تهديدا للاستقرار في منطقة التي تقع على أبواب أوروبا؟ ألا تعتقدون أن قمع هذه المظاهرات قد يهدد حقوق الإنسان؟ وهل تطرقت للموضوع مع ملك المغرب خلال محادثاتكما؟

الرئيس الشاب لم يهرب من السؤال رغم حساسيته، ولم يقدم أجوبة فضفاضة تقيه حرج التدخل في شأن داخلي فوق تراب مغربي وتحت سقف قصر الضيافة في أگدال، بل أجاب بكل وضوح وقال: “نعم، أثرت هذا الموضوع مع جلالة الملك منذ بداية الزيارة وبطريقة جد مباشرة وطبيعية، ويجب أن أقول لكم إن الملك محمد السادس قلق على الوضع في منطقة الريف. لا يحق لي أن أصدر أحكاما حول موضوع يندرج ضمن السياسة الداخلية للمغرب، لكنني شعرت بأن الملك يعتبر أنه من الطبيعي والمشروع أن تكون هناك تظاهرات تتم في إطار قانوني ودستوري، عكس ما يجري في بلدان أخرى”. 

أما عن احتمال وجود تخوف لدى قصر الإيليزيه من وجود خروقات لحقوق الإنسان في أعقاب حملة الاعتقالات التي طالت شباب حراك الريف، قال الرئيس ماكرون: “لم أجد ما يدعو إلى التخوف من إرادة قمعية، بل هناك إرادة وعزم على معالجة الدوافع العميقة للاحتجاجات بشكل دائم ومستدام”. 

وعن نوايا محمد السادس إزاء المستقبل وكيفية علاج هذه الأزمة، قال ماكرون: “لمست لدى جلالة الملك رغبة في تهدئة الوضع عبر التجاوب مع مطالب السكان في إطار سياسة عمومية”. وعن إحساس الملك كإنسان إزاء سبعة أشهر من الاحتجاجات في الريف قال ماكرون: “لمست أن الملك قلق لمصير هذه المنطقة الغالية عليه، والذي اعتاد قضاء عطلته فيها”.

المهمة التي كانت مطلوبة من الناطق الرسمي باسم القصر الملكي أو من رئيس الحكومة، قام بها رئيس الجمهورية الفرنسية الذي نقل للرأي العام معلومات مهمة، من شأنها أن تهدئ الوضع بعد سلسلة الأحكام القاسية التي خرجت من محكمة الحسيمة في حق شباب الحراك، ومن هذه المعلومات أن أعلى سلطة في البلاد تريد التهدئة وليس التصعيد، وهذا معناه أن المقاربة الأمنية ستتراجع، وأن عفوا ملكيا على المعتقلين والمحكومين أمر وشيك، وثاني أهم معلومة نقلها ماكرون على لسان الملك، أن الأخير يعتبر التظاهر أمرا مشروعا وطبيعيا وأنه يتفهم احتجاجات الناس، وهذا معناه أن المؤسسة الملكية لم تأخذ بتقارير وزارة الداخلية التي اتهمت سكان الريف بالانفصال والعمالة للخارج. 

وثالث أهم معلومة نقلها ماكرون إلى الرأي العام المغربي هو أن الملك قلق كإنسان وكمواطن على الريف، الذي اعتاد زيارته لقضاء العطلة، وهذا معناه أن علاقة العرش بالريف لم تتغير، وأن منطق المصالحة لا رجوع عنه، وأن الملك الحالي عكس والده ليست له حساسية من هذه المنطقة التي تجر خلفها جراحا عميقة من ماض بعيد…

رسالة الملك التي حملها ماكرون إلى شعبه يجب أن تشكل مقدمة لمعالجة مختلفة لأزمة الريف، من جهة الدولة، ومن جهة نشطاء حراك الريف أيضا. من جهة الدولة لا بد من إطلاق سراح المعتقلين والمحكومين من أجل تهدئة النفوس المجروحة، والعودة إلى طاولة الحوار مع نشطاء الحراك، حول ملفهم المطلبي وتسريع إنجاز الأوراش المفتوحة، ومحاسبة المسؤولين الذين ثبت تقصيرهم في تحمل مسوولية تنفيذ مشاريع منارة المتوسط، ولا بد من تخفيف الحضور الأمني في المدينة وعودة الحياة في الحسيمة إلى طبيعتها، ونحن على وشك عيد الفطر، ولا بد للحكومة أن تتحمل مسؤوليتها وأن تنزل إلى الميدان لقضاء حوائج الناس بأسرع الطرق الممكنة، رغم الصعوبات الموجودة في التواصل معهم، لا بد من الصبر وتحمل نزول حرارة الاحتجاجات تدريجيا وليس بضربة واحدة .

أما من جهة نشطاء حراك الريف، فلا بد أن يعطوا للدولة فرصة لإظهار حسن نيتها، وأن يتفهموا (منطق الدولة) وحرصها على عدم التفريط في (هيبتها)، حتى وإن كانت مقاربتها السابقة خاطئة، فالدول في العالم الثالث ليست كالأفراد الذين يمكن أن يتراجعوا عن أخطائهم بسهولة وصراحة، الدولة تبحث دائما عن مخارج وصيغ لحفظ ماء الوجه، ضنا منها أنها لا يجب أن تعطي صورة الضعف عنها حتى لا يشجع ذلك آخرين ليثوروا في وجهها. إطلاق سراح المعتقلين إشارة مهمة على تراجع الدولة عن المقاربة الأمنية، البداية بترميم هشاشة المدينة الاقتصادية والاجتماعية مؤشر على الاستجابة للمطالب الممكنة للسكان، تعبير الملك عن قلقه مما يجري في الريف بادرة حسن نية أننا في 2017 وليس في 1959…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نوايا الملك إزاء حراك الريف نوايا الملك إزاء حراك الريف



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري

GMT 13:59 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

هجرة "النجوم" شرًا لا بد منه

GMT 04:24 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

السجن 10 سنوات للجهادي المرتبط بمهاجمة "مانشستر أريينا"

GMT 16:31 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

فنانة صاعدة تهدد مخرج مغربي بـ"فيديو إباحي"

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 22:31 2015 الإثنين ,09 آذار/ مارس

الأزرق والأخضر أبرز ألوان المطابخ في 2015
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca