العثماني فقد أعصابه

الدار البيضاء اليوم  -

العثماني فقد أعصابه

توفيق بو عشرين

لو سألتم رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، عن عدوه رقم واحد هذه الأيام، سيقول لكم إنه كاتب هذه السطور. أما الفقر الذي يمس ثلث الساكنة، أو الأمية التي تمس ربع سكان المغرب، أو البطالة التي تدمر 30% من الشباب المتعلم، أو البرد الذي يقتل المهمشين في الشارع، أو التعديل الحكومي الذي تأخر أكثر من اللزوم، فهذه مشاكل ومعضلات تأتي في مرتب متأخرة من اهتمامات الطبيب النفسي، الذي فقد التحكم في أعصابه، وانهال بالتقريع على صحافي لا يملك إلا قلمه، في تجمع للشباب في بوزنيقة نهاية الأسبوع الماضي، متهما إياه «بالكذب»، ومدعيا أنني شخصيا طلبت لقاءه فرفض، ومختتما تعريضه بشخصي المتواضع بالقول إن بعض أعضاء الحزب، للأسف، يصدقون ما أكتبه، «وهذا بيت القصيد».
للسيد العثماني أقول إنك لست أول رئيس حكومة يشتكي قلمي، قبلك فعلها بنكيران أكثر من مرة، حتى إنه قال لي مرة: «أنت أكثر قلم يقسو علي»، وذلك عندما كتبت في 2012 أن «بنكيران لاعب كرة جيد، ويمتع جمهوره، ويراوغ بمهارة، لكنه، للأسف، لا يسجل الأهداف، والجمهور سيمل بعد مدة قصيرة، وأنه أدخل الدستور إلى سوق البازار، وبدأ يبيعه بالتقسيط لشراء بطاقات التطبيع مع الدولة»، لكنه عندما اتخذ قرارات شجاعة، في المقاصة والتقاعد والإضراب ومساعدة الأرامل والزيادة في منح الطلبة قيمة وعددا، صفقنا له، وقبل بنكيران كان عباس الفاسي يؤاخذني بما يعتبره تحاملا على حكومته، عندما كتبت أنها أضعف حكومة في تاريخ المغرب، وفي عهدها تأسس البام تحت نظر عباس، الذي كان يقول عن حركة لكل الديمقراطيين إنها مجرد نادٍ للتفكير، في حين أن الزعيم، علال الفاسي، لم يتردد في الخروج من الحكومة سنة 63، بعدما شرع اكديرة في تأسيس بام تلك الأيام، والمقصود «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية»، أما إدريس جطو فقد طلب مني، أكثر من مرة، حذف لقب «التقنوقراطي» عن اسمه، والكف عن تسمية حكومته بحكومة «الخروج عن المنهجية الديمقراطية»، وحتى عندما أعطانا حوارا جريئا دام سبع ساعات، رجع وطلب عدم نشره فاستجبنا له، أما عبد الرحمان اليوسفي، فلم يكن فمه يخرج «العار» في حق الصحافيين، لكن رفاقه في الاتحاد اعتبروا هذا العبد لله واحدا من «عصابة» الصحافيين الذين «هلكوا الاتحاد»، ونشروا غسيله على رؤوس الأشهاد خدمة لأجندة خفية.
مرة جئت إلى محمد البريني، ذكره الله بخير -وكان مدير جريدة «الأحداث المغربية» التي بدأت فيها مهنة «البحث عن المتاعب»- لأشتكي وزيرا اتحاديا هاجمني في ندوة صحافية، على تقرير إخباري كتبته عن «ديوان سعادته»، فقال لي البريني: «لا تلتفت إلى كلامه، بعد أربع سنوات لن يبقى هو وزيرا، أما أنت فستبقى صحافيا».
السيد العثماني يعرف، كما يعرف أصدقاؤه في الأمانة العامة للحزب، أن جريدة «أخبار اليوم» تفصل بين الأخبار وبين التعاليق، بين التقارير وبين أعمدة الرأي، ويعرف أن المصداقية التي لها اليوم جاءت بفضل احترامها أخلاقيات المهنة، وبسبب صمودها أمام الضغوط والإغراءات، أمام العصا والجزرة، وأن الناس يصدقونها لأنهم جربوها على مدى عشر سنوات، أو كما تقول الحكمة: «يمكن أن تكذب على الناس بعض الوقت، لكن لا يمكنك أن تكذب على الناس طوال الوقت»، وأتحدى رئيس الحكومة أن يقدم الدليل على كذبة واحدة نشرناها، أو بعث لنا تصحيحا حولها ولم ننشره. الحقيقة أن العثماني، وبعد ثمانية أشهر في الحكومة، بدأ يتعب، وبدأ يفقد توازنه من شدة الضغوط حوله، ومن شدة نزول أسهم الحكومة في بورصة الرأي العام. وعوض أن يرى نفسه في مرآة الصحافة، بدأ يرمي الحجر عليها دون تبين، ودون أن يفرق بين من ينتقده لإصلاح أخطائه، وبين من يطبل له ليدفعه إلى الهاوية. العثماني لديه مشكل مع رأي تعبر عنه هذه الافتتاحية، ويعتبر أن مجيئه في ظرف «سيئ» إلى رئاسة الحكومة، وبعد نجاح البلوكاج، جعل مهمته شبه مستحيلة، زد على هذا أن أسلوبه في إدارة المفاوضات مع الدولة أفقده كل الأوراق الرابحة التي مده بها صندوق الاقتراع. هذا رأي قطاع واسع من المدافعين عن التحول الديمقراطي في البلد، وقد سمع رئيس الحكومة أسوأ منه في مؤتمر حزبه، حيث وصف مناضلون في الحزب حكومة العثماني بـ«حكومة الإهانة»، وهذا ما لم نجرؤ نحن على قوله، إذن، لا داعي إلى «التدليس» وخلط الأوراق. يمكن أن تختلف مع هذا الرأي، وأن ترد عليه، وقد طلب منك مدير مكتب الجريدة بالرباط، الزميل عبد الحق بلشكر، أكثر من مرة، استجوابا لعرض وجهة نظرك، كما نفعل مع الجميع، لكنك رفضت.
أما حكاية أنني طلبت لقاءك وأنت رفضت، فهذا كذب في كذب. لم يسبق لي أن طلبت لقاءك أبدا، لا مباشرة ولا عبر وسيط، وإذا كان لديك دليل فانشره… ثم أن يرفض رئيس حكومة لقاء صحافي، على افتراض أنني طلبته، أمر ليست فيه بطولة أبدا، وهو أمر يعيبك ولا يعيبني في شيء، يا سعادة الطبيب النفسي.
أما قولك، السيد رئيس الحكومة، إن بعض شباب الحزب يصدق ما أكتبه، فهذا أمر أفتخر به، وأنت نفسك كنت تثني على ما أكتبه، وتمدح خط تحرير الجريدة في بقائها على الحياد في حرب داحس والغبراء، التي تجند فيها إعلام السلطة لمهاجمة حكومة بنكيران وحزب العدالة والتنمية، حيث استعملوا سلاح الإشاعات والكذب والافتراء، والدخول إلى غرف نوم بعض أعضاء الحزب، من أجل شيطنة مغاربة لهم اختيارهم ولهم حزبهم ولهم برنامجهم، وآخر مرة التقينا فيها، كانت بدعوتك إياي إلى منزلك في سلا حول مائدة العشاء، حيث تحدثنا في السياسة والفكر والفقه والإعلام، بحضور ضيوف آخرين مازالوا أحياء، ألم أكن آنذاك صحافيا يحترف «الكذب»؟ فقط الآن أصبت بهذا الفيروس؟ أنا لم أتغير يا سيادة رئيس الحكومة، أنت من تغيرت معاييرك، وتبدلت نظرتك، وأنا لا ألومك، فقط أطلب منك شيئا من لباقة أهلنا في سوس، وكياسة الفقهاء، وتجرد الأطباء.
وظيفة الصحافي أن «يزعج» وأن يدق الأجراس، وأن يتحدث بلسان النقد، لا أن يداهن أو يطبل أو يعظ بأجر أو بأمر.
دعني أحكي لك نكتة طريفة من لبنان تقول: «إن وزيرا جاء يشتكي إلى رئيس الحكومة نشر الكذب عنه في الصحافة، فابتسم رئيس الحكومة وقال بحكمة المجرب لوزيره: ‘‘هون عليك، واحمد الله أنهم يكتبون عنك الأكاذيب ولا يكتبون عنك الحقائق، لأن حقائقك أسوأ من أكاذيبهم’’».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العثماني فقد أعصابه العثماني فقد أعصابه



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:19 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 12:52 2013 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

هل الدكتور دكتور والمهندس بالفعل مهندس؟

GMT 00:29 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مشاحنات في جنازة سعيد بونعيلات بين عائلته ورفاقه

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 05:23 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات فساتين للمحجبات من أسبوع الموضة في نيويورك

GMT 22:09 2015 الثلاثاء ,17 شباط / فبراير

افتتاح فرع جديد من "المطعم البلدي" في مراكش

GMT 02:51 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

شاب هندي يعاني من مرض الشيخوخة المبكرة

GMT 23:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

تفاصيل "اجتماع الأزمة" بين أبرشان ولاعبي اتحاد طنجة

GMT 20:35 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تطورات جديدة في قضية لطيفة رأفت ضد رئيس الوزراء المغربي

GMT 09:16 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بلاك شاينا أنيقة خلال توزيع جوائز "BET Hip Hop"

GMT 08:03 2018 الإثنين ,14 أيار / مايو

طرق وخطوات تطبيق "الأيلاينر الأومبري"

GMT 17:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تدريبات خاصة ليوسف القديوي لاستعادة لياقته البدنية

GMT 22:47 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

حلم كأس العالم يعود يا إماراتيون

GMT 17:10 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فجر السعيد تضع حدا للخلاف مع الفنانة الإماراتية أحلام

GMT 03:22 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام البورقادي وصيفة لبطلة العالم في الكيك بوكسينغ

GMT 00:45 2017 الأحد ,24 أيلول / سبتمبر

ياسر المصري يوضح أن شخصية الزعيم ثرية جدا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca