الاستحواذ على الدولة

الدار البيضاء اليوم  -

الاستحواذ على الدولة

بقلم - توفيق بو عشرين

هذا واحد من المفاهيم الجديدة لتحليل النظم السياسية في العالم العربي وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وضعه البنك الدولي في سياق تحليل منظومة الفساد التي تنخر الدول غير الديمقراطية، ويعرف خبراء البنك عملية الاستحواذ على الدولة كالتالي: «الجهود التي يبذلها عدد صغير من الشركات أو الأفراد أو الجماعات أو لوبيات المصالح أو الجيش أو الساسة الفاسدون لصياغة قوانين اللعبة بشكل يجعلها تخدم مصالحهم أو تجارتهم أو مواقعهم أو سلطتهم خارج القانون وقواعد الحكامة ومبادئ الشفافية».

كيف تتم عملية السطو على الدولة، حسب هذا المفهوم؟ يجيب خبراء البنك الدولي: «عبر صياغة قوانين خاصة بأصحاب المصالح، أو اقتسام الغنائم مع مسؤولين في الإدارة، أو عبر شراء أصوات الناخبين للتحكم في البرلمانات، أو من خلال تأسيس شبكة موازية داخل الجهاز التنفيذي تخدم أجندة هؤلاء، كما تتخذ عملية الهيمنة على الدولة من قبل شبكات المصالح صورة التدخل في سير الجهاز القضائي، والتحكم في قراراته وأحكامه، وقد يصل الأمر إلى صياغة قوانين ومراسيم وقرارات من داخل الأجهزة التنفيذية لخدمة مصالح خاصة، وعبر طرق ملتوية، لا تظهر عادة لعموم الرأي العام».

أكثر من هذا، يشرح الخبراء العلاقة بين الاستحواذ على الدولة وعرقلة التطور الديمقراطي، وذلك من خلال رصد تجارب عدة، حيث كان يجري الاستحواذ على الدولة من خلال عرقلة جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي، وإفساد الانتخابات، والتصدي لصحافة التحقيق والإعلام الحر، ونشاط المجتمع المدني، وكل هذا تحت غطاء لا يُظهر هويات أصحابه، ولا مراميهم الحقيقية، بل بالعكس يختبئ أحيانا خلف مطالب شعبوية، أو شعارات سياسية، أو أغلفة إيديولوجية، أو مطالب ليبرالية!

مستوى الاستحواذ على الدولة يزيد وينقص في الدول النامية حسب عدة مؤشرات، منها: درجة الإصلاح السياسي، الحريات المدنية، الولوج إلى المعلومة، حرية الصحافة، شفافية الاقتراع، مراقبة تمويل الأحزاب، درجة بيروقراطية الإدارة، تطور الحكامة ومعايير الشفافية، تعاون الدول في ما بينها لمراقبة حركة الرأسمال وفروع الشركات العالمية الكبرى… فكلما تقدمت دولة من الدول في سلم هذه المعايير، قل الاستحواذ على الدولة، والعكس صحيح (لاحظوا أن الإصلاح السياسي جاء في مقدمة المعايير التي تحمي الدولة من الاستحواذ عليها من فئة صغيرة تسطو بطرق متطورة على جهاز الحكم وإدارة القرار).

ستيفن هابر، أستاذ علم السياسة بجامعة ستانفورد والباحث بمعهد هوفر، توقف، في دراسة مهمة له، عند ظاهرة «الاستحواذ على الدولة» التي تقدم نظرة دقيقة عن الاختراق السياسي العمودي الذي يقع في جهاز الدولة، وأشار إلى أن «نظام الحكم غير الديمقراطي وغير المحكوم بتوازن السلط ومراقبة بعضها البعض، كما أن له سلطة لحماية المصلحة العامة وتطبيق القانون، له سلطة لحماية المصالح الخاصة، وتمكين المجموعات الحاكمة من الاستحواذ على الدولة».

ما هي كلفة الاستحواذ على الدولة؟

يقول البنك الدولي، في دارسة أجراها السنة الماضية على حوالي 3600 شركة في الدول التي تعرف معدلات كبرى للاستحواذ على الدولة، إن ثلث أرباح هذه الشركات تصرف على رشاوى تدفع لجهات إدارية وحكومية وسياسية لتسهل لهذه الشركات نشاطها غير المشروع.

الرشوة، الفساد، تدني الخدمات العمومية، احتكار الثروة، إفقار الدولة، حرمان الخزينة العامة من موارد كبيرة، ضرب سمعة البلد في الأوساط الاستثمارية الدولية، عرقلة النمو، ضرب تطور الاقتصاد، وفي النهاية ازدياد التوتر الاجتماعي وتهديد الاستقرار السياسي. هذه هي النتيجة الطبيعية للاستحواذ على الدولة.

بسهولة يمكن العثور على بصمات الاستحواذ على الدولة في المغرب، والذي يريد تعقب هذا الخيط هناك علامات في الطريق هذه أبرزها:

أولا: في أكثر من مناسبة تحدث رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، عن وجود دولتين في المغرب؛ واحدة يقودها الملك محمد السادس والأخرى لا يعرف من يرأسها ولا من يقودها (وهذا التصريح كان من أكثر التصريحات التي جلبت على بنكيران متاعب كبيرة).

ثانيا: مشاريع كثيرة أطلقتها الدولة وخصصت لها ملايير الدولارات، مثل المخطط الأخضر، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرنامج النهوض بالعالم القروي، و30% من الضريبة على القيمة المضافة التي تتحكم فيها وزارة الداخلية… كلها أموال لا تخضع لأي مراقبة ولا مراجعة ولا تقييم لأهدافها وأوجه صرفها.

ثالثا: مؤسسات وشركات عمومية كثيرة في المغرب غير خاضعة بتاتا لسلطة الوصاية الحكومية أو السياسية، وحتى الوزراء لا يعرفون ما يجري داخلها، وهذه المؤسسات والشركات تدار من قبل مديرين كبار لا يعرف الجميع لمن يقدمون الحساب، ومن الذي أتى بهم إلى مواقع المسؤولية، ولا كيف يستثنون من رقابة الحكومة والبرلمان والقضاء ومؤسسات الحكامة.

رابعا: كشفت التحقيقات والمعلومات التي تسربت من صندوق المقاصة، في السنوات الخمس الماضية فقط، فضائح كثيرة حول توزيع دعم المحروقات الذي كان يصل إلى حوالي 5.5 ملايير دولار في السنة، والتي أغلق بنكيران ملفاتها الثقيلة بسحب الدعم العمومي عن المحروقات. هذا الدعم الذي كانت تستفيد منه شركات المحروقات بالدرجة الأولى، والتي لم تكن خاضعة لأي مراقبة، ما مكن أصحابها من تكوين ثروات خيالية على مدى عشرات السنوات من سياسة الدعم.

خامسا: شركات كثيرة في المغرب تشتغل مع القطاع العام، أو تستفيد من الدعم العمومي أو من الإعفاءات الضريبية، غير مدرجة في البورصة، ويصعب الوصول إلى حساباتها وحصيلتها السنوية، والمعلومات المهمة حول نشاطها، وبذلك تبقى خارج المراقبة ومنظومة الشفافية.

من يمسك بالخيط ليصل إلى عش الدبابير؟ من؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستحواذ على الدولة الاستحواذ على الدولة



GMT 04:10 2017 الجمعة ,01 أيلول / سبتمبر

هل يثق العرب فى بعضهم؟

GMT 05:22 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

من قتل ناجي العلي؟

GMT 05:19 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

جلب وليد الكردي.. وقرار الثلاثاء المفاجىء

GMT 05:17 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

لا تقل هذا خطأ وتصمت قل لنا ما هو الصواب

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca