طاحت المنارة علقوا الأحزاب

الدار البيضاء اليوم  -

طاحت المنارة علقوا الأحزاب

بقلم ـ توفيق بو عشرين

يقول المثل المغربي: «دويو فينا واجيو علينا»، ويعني بالعربي الفصيح وضع الأشياء في ميزان عادل. هذا ما نحتاج إليه هذه الأيام ونحن نتابع حفلات سلخ جلد الأحزاب في الساحات العمومية، بعدما نشر المجلس الأعلى للحسابات تقريره «الفريد» عن مشاريع منارة المتوسط، والذي انتهى إلى إدانة قفة من الوزراء الحاليين والسابقين، دون الاستماع إليهم، ولا إعطائهم حق الدفاع عن أنفسهم (أخبرني وزيران من المشمولين بالغضب الملكي في حكومة العثماني بأن إدريس جطو وقضاته لم ينصتوا إليهما، ولم يتلقيا أي استدعاء للمثول أمام المجلس، لا هما ولا كبيرهما الذي كان يرأس الحكومة، أي عبد الإله بنكيران، مع أن القاضي يسمع من اثنين). هذا ما دفع الصحافي المخضرم حميد برادة ليقول في قناة عين السبع كلاما جريئا، ذهب فيه إلى وصف العقاب الملكي الخاص بالوزراء السابقين في ملف الحسيمة، بـ«الممارسة العتيقة» ‪archaïque، موضحا أنه يقصد كلا من «عدم الرضا» الملكي عنهم، وشملهم بعقوبة مستقبلية تتمثل في حرمانهم من تولي المهام العمومية.
عقوبة حرمان السياسيين من تولي مهام عمومية في المستقبل عقوبة غير موجودة في الدستور، ولا في القانون الجنائي، ولا في قانون محاكمة الوزراء، ولا حتى في العرف السياسي الجاري به العمل منذ ميلاد الأحزاب السياسية قبل أكثر من 80 سنة إلى اليوم… وإذا اقتضت الضرورة علاجا بالصدمة لتوقيف قانون اللاعقاب واللاحساب، فيجب أن تكون هذه الصدمة في إطار القانون والأعراف الديمقراطية.
يوم اقتنع الملك الراحل الحسن الثاني بضرورة تنظيف بيت الحكم من الفساد عقب الانقلابيين العسكريين 71 و72، ترك للقضاء، والقضاء وحده، محاكمة وزراء حكومة العراقي، وفي مقدمتهم مامون الطاهري، وزير المالية آنذاك. ورغم أن المحاكمة لم تذهب بعيدا، ورغم أن عاهل البلاد تدخل بعد سنتين فعفا عن المدانين، فقد رجعت حليمة إلى عادتها القديمة، فالشروط الشكلية للمحاكمة كانت مضمونة، لكن اليوم هناك محاكمة للوزراء دون محكمة ولا قاض ولا محام ولا استئناف ولا مساطر. نعم هي محاكمة سياسية، لكنها غير واضحة المعالم بتاتا، ولم تشمل الرؤوس الكبيرة، فتقرير إدريس جطو يبرئ الوزراء ويدينهم في الوقت نفسه. لنتأمل حكم البراءة للوزراء جميعا: «وقف المجلس على عدة اختلالات شابت مرحلتي الإعداد والتنفيذ، ففي ما يتعلق بمرحلة الإعداد، تبين من دراسة مكونات هذا البرنامج أنه لم ينبثق من رؤية استراتيجية مندمجة تتقاسمها جميع الأطراف، إذ اتضح أن إعداد المشاريع المكونة لهذا البرنامج لم يتم بالدقة المطلوبة، حيث إن الجدول الزمني التوقعي لإنجازها اكتفى بتحديد الإسهامات السنوية للأطراف المشاركة، إذ إنه في غياب المبالغ المرصودة لكل مشروع على حدة، تبقى هذه الإسهامات ذات طابع تقديري!». في فقرة أخرى يقول جطو: «إن الاتفاقية الإطار الموقعة أمام الملك في 17 أكتوبر بتطوان، لم تكن مدعمة بمستندات أساسية توضح قائمة المشاريع المدرجة في البرنامج، ولم تكن ضمن الاتفاقية الإطار التقديرات المحينة للتكاليف المرتقبة، ولم يجرِ تحديد مصادر التمويل». إننا أشبه ما نكون برجل استدعى مقاولا وطلب منه بناء بيت، لكن دون تصميم وضعه مهندس، ودون ميزانية دقيقة، ودون تصميم تهيئة يحدد المسموح والممنوع في البناء، ودون أن يتوفر هذا الرجل على مال أو قرض لتمويل هذا البيت الذي لا يعرف هل سيسكن فيه أم سيؤجره… فهل سيحَاسب المقاول إذا لم ينجز هذا المشروع في ظل سنة أو سنتين؟
المغاربة يقولون ‘‘من الخيمة خرج عوج’’، إذن، لا بد لهذا الذي خرج من الخيمة مائلا أن يسقط، وهذا ما جرى في مرحلة التنفيذ التي كانت نتيجة طبيعية لمقدمات خاطئة يتحمل مسؤوليتها، أولا، الذين أعدوا المشروع وقدموه للملك منقوصا ودون تدقيق، ويتحمل مسؤوليته، ثانيا، الوزراء الذين وضعوا توقيعهم دون جرأة على طرح السؤال… لكن جل المهتمين، ومنهم الصحافيون، لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يدققون، وإذا دققوا لا يمتلكون الشجاعة الفكرية لطرح الأسئلة الحقيقية والبديهية أحيانا، ومن هذه الأسئلة: من تكفل بإعداد مشروع المنارة التي سقطت فوق رؤوس الوزراء؟ ولماذا جرى إخراج المشروع من المجلس الحكومي؟ ولماذا لم يقترح وزير الداخلية متابعة هذا المشروع ضمن جدول أعمال الحكومة الأسبوعي؟ وإذا كان كلام بنكيران صحيحا حول عدم علمه بالمشروع إلا من خلال تلفزة العرايشي، فمن المسؤول عن عدم إخباره أو استدعائه إلى مشروع يرتب أعباء مالية على الميزانية، وتتبعه محاسبة وعقاب؟ عوض هذه الأسئلة، كتبت الزميلة نادية صالح في افتتاحية ليكونوميست في أول جملة لها تقول :Et pourquoi pas Benkirane، وتسطر تحت هذه الجملة بالقول: «الرأي العام يعتقد أن بنكيران مسؤول أيضا عن التقصير الذي حدث في ملف منارة المتوسط،» ولكي تجد جوابا يليق بهذه الدهشة من استثناء بنكيران من العقاب كتبت نادية: «ربما أن العاهل ترك للنقاش الديمقراطي حسم هذه النقطة، أما علماء السياسة فقد رأوا في استثناء بنكيران من العقاب محاولة للابتعاد عن ميزان القوى بين أنصار زعيم البيجيدي وخصومه، فإنزال العقاب ببنكيران الآن سيعطيه فرصة لكي يصبح ضحية «victimisation» عوض أن يدافع عن إنجازاته المعدومة في رئاسة الحكومة أمام مؤتمر حزبه»! بدون تعليق.
الأحزاب مريضة نعم، ومتعبة نعم، ومخترقة نعم، وجلها مفصول عن نبض المجتمع نعم، لكن الحل هو مساعدتها على النهوض والشفاء والنضج، لا حفر قبر كبير لها ودفن حيها وميتها. هذا أمر لا يساعد الأحزاب ولا الدولة ولا الاستقرار. حتى، في أوج تغول الحكم السلطاني في القرون الماضية، كان المخزن يوقر أحزاب ذلك الزمن، أي الزوايا والقبائل، فما بالك اليوم والديمقراطية تعرف بكونها دولة الأحزاب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طاحت المنارة علقوا الأحزاب طاحت المنارة علقوا الأحزاب



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca