بنكيران ما بعد رئاسة الحكومة

الدار البيضاء اليوم  -

بنكيران ما بعد رئاسة الحكومة

بقلم : توفيق بو عشرين

بنكيران لن يتقاعد سياسيا مثل ما فعل  الشيخ عبد الرحمان اليوسفي، ولن يذهب إلى بيته كما فعل عباس الفاسي، ولن يرجع إلى الوظيفة السامية كما فعل  إدريس جطو. بنكيران أعلن أنه باق وسيستمر في النضال، سواء بقي في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أو  استمر في أحد المواقع القيادية،  أو مجرد عضو عادي في الحزب، أو مواطن عادي يمشي في أرض الله الواسعة.

هذا ما أعلنه زعيم العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران،  في شريط فيديو  لم ينشر  في الموقع الرسمي للحزب إلا يوم أمس، مع أنه  يرجع إلى لقاء بنكيران مع شبيبة حزبه في بوزنيقة  نهاية الأسبوع الماضي، حيث استقبله شباب الحزب   استقبالا خاصا وهم يهتفون: «بنكيران ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح».  في هذا الشريط يضع بنكيران الكثير من النقاط على الحروف، ويجيب عن الكثير من الاستفهامات التي تناسلت منذ إعفائه من رئاسة الحكومة ليلة الأربعاء 14 مارس: ما هو موقع بنكيران في الخريطة السياسية المقبلة؟ وما هي مواقفه تجاه الدولة وتجاه الحزب وتجاه حكومة العثماني؟

قال بنكيران عن مستقبله السياسي: «أنا لن أستسلم ولن أنزل  يدي، خسرت جولة ومازالت هناك معركة، وسواء كنت أمينا عاما أو عضوا عاديا.. في أي موقع كنت فيه سأستمر في النضال، وفي كشف الحقيقة، وفي تعرية المرتزقة الذين يملؤون الصحف والإذاعات والقناة الثانية». هذا عن مستقبله هو كزعيم سياسي اختار الاستمرار في السياسة خارج بركة السلطة، وهذا الموقف ليس غريبا عن شخص ظل يتنفس السياسة منذ 40 سنة، إذ تدرج من العمل السري إلى العلني، ومن الدعوة إلى السياسة ومن الحركة إلى الحزب، ومن النضال إلى رئاسة الحكومة.  هذا ربما سيبعثر أوراقا كثيرة لمن كانوا يعتقدون أن بنكيران سيذهب إلى التقاعد وإلى كتابة مذكراته وإسدال الستار على النشاط العام… هذا أمر لن يخلو من تعقيدات وربما مفاجآت.

للدولة، وفي قلبها القصر الملكي، قال بنكيران: «نحن لسنا ثوريين، ولن نقوم بالثورة… نحن نريد إصلاح الوطن مهما كلفنا ذلك، ولن نكون استثناء من الذين أدوا ضريبة أفكارهم… لن ننخرط في الثورة، ولن ننعزل في بيوتنا، ندبر أحوالنا الشخصية وننتقد من بعيد، ولن ننبطح ولن نبيع ولن نشتري. نحن مع الدولة. ونريدها قوية وعادلة في الوقت نفسه.  خسرنا ماتش ومازالين ماتشات أخرى». هذا معناه أن بنكيران لن يغير مذهبه السياسي في المقبل من الأيام،   لأن الملك محمد السادس  عزله من رئاسة الحكومة، رغم أنه قاد حزبه إلى ثلاثة انتصارات غير مسبوقة في المغرب، وقام بإصلاحات صعبة استفادت منها البلاد وتوازناتها المالية، وراكم شعبية كبيرة وسط الأغنياء والفقراء الذين رأوا فيه نموذجا آخر لسياسي معتدل لكن يده نظيفة.. محافظ لكنه يقول الحقيقة.. موالٍ للقصر لكنه مستقل في قراره.. بنكيران يقول للجميع: ‘‘سأظل إصلاحيا لكن بطريقتي، وسأواصل الطريق نفسه مادام الشعب يريدني’’. إنه يدخل الرأي العام بقوة إلى المعادلة السياسية،  ويرفض أن تبقى للدولة الكلمة الأخيرة في  مستقبل مساره السياسي وفي مستقبل مشروعه الإصلاحي.

أما عن علاقة بنكيران  بحكومة العثماني فقال: «لن نصنع مشاكل لحكومة العثماني، وسنتمنى لها التوفيق، فهي حكومة العدالة والتنمية، لكن وقت الحساب سيأتي. أنا لا أقول إن العثماني خان. هذه كلمة كبيرة وصعبة وتحتاج إلى دليل، لكني أقول إن المغاربة لم يروا أنفسهم في هذه الحكومة، هذا صحيح، لقد كان وقعها قاسيا علينا، قاسي بزاف، لكن الآن فكروا في ما يجب عمله في المستقبل. هذا هو الأهم، وقولوا للناس إننا خسرنا جولة ولم نخسر معركة، وإننا سنواصل النضال». هكذا وضع بنكيران النقاط على الحروف إزاء حكومة العثماني. من جهة، أعلن عدم الرضى عنها، وعدم تزكيتها، لكنه في المقابل التزم بعدم خلق مشاكل لها، وتركها تأخذ فرصتها وإن كانت، في نظره، لا تلبي تطلعات الحزب والشعب… ولكي يحاصر الشعور بالإحباط وسط جنوده والمتعاطفين مع حزبه  قال: «ضعوا هذه الحكومة بين قوسين»، هذا معناه أن  بنكيران يضع حكومة العثماني خارج السياق، ويعتبرها قوسا لن يوقف مجرى النهر.

بخصوص المستقبل، ذكر بنكيران إخوانه بثوابت الحزب ومشروعه، وأولها الحفاظ على استقلالية القرار الحزبي، وهذه جملة ثقيلة في أدبيات الأحزاب السياسية، ولها مدلول كبير في علاقة المؤسسة الحزبية بالدولة. ثانيا، ذكرهم بأن لكل نضال ضريبة، ولا بد أن يستعدوا لدفع الضريبة، إن اقتضى الحال، من حريتهم ومن أمنهم ومن سلامتهم، وقال بنكيران:  «إذا أرادوا أن يقطعوا لنا الأذن، فليتفضلوا».  هذا معناه أن بنكيران يزرع روحا نضالية وثقافة مقاومة جديدة تجاه السلطة لم تكن في السابق، حيث كان دائما يبشر بالتطبيع وبعدم التنازع وبالمرونة والصبر. ثالثا، أكد  بنكيران ضرورة صيانة حرية التعبير في وسط الحزب، وهي إشارة لا تخطئها الأذن موجهة إلى رئيس الحكومة الجديد ووزرائه،  يطالبهم فيها بنكيران  بعدم تكميم أفواه المناضلين، وضرب مثلا بتدخل أحد الوزراء (لحسن الداودي) أخيرا لقمع أمينة ماء العينين، المعروفة بجرأتها في القول داخل الحزب وخارجه.

هذه هي خريطة بنكيران للمستقبل، وهي وإن كانت لا تجيب بالتفصيل عن كل الجزئيات، فإنها تضع الحزب وقادته في وضع صعب ودقيق، حيث يشغل العثماني رئاسة الحكومة، ويجلس بنكيران على مقعد الزعيم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بنكيران ما بعد رئاسة الحكومة بنكيران ما بعد رئاسة الحكومة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري

GMT 13:59 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

هجرة "النجوم" شرًا لا بد منه

GMT 04:24 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

السجن 10 سنوات للجهادي المرتبط بمهاجمة "مانشستر أريينا"

GMT 16:31 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

فنانة صاعدة تهدد مخرج مغربي بـ"فيديو إباحي"

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 22:31 2015 الإثنين ,09 آذار/ مارس

الأزرق والأخضر أبرز ألوان المطابخ في 2015
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca