أول امتحان لحكومة العثماني

الدار البيضاء اليوم  -

أول امتحان لحكومة العثماني

بقلم : توفيق بو عشرين

يلقبها البعض بالحكومة الممنوحة، على وزن الدستور الممنوح والحزب الممنوح، ويطلق عليها البعض حكومة أبريل، في محاولة لربط سياقها بعادة الكذب الأبيض في هذا الشهر، ويسميها البعض حكومة لفتيت أو أخنوش أو حصاد… لكنها، في الحقيقة، حكومة بلا عنوان، جاءت بعد حمل كاذب دام ستة أشهر، ثم اكتشف الجميع أن الغرض من البلوكاج لم يكن استهداف الحكومة، بل استهداف رأس بنكيران، وقد طار، ورأس صندوق الاقتراع، وقد جرى فصل نتائجه عن تركيبة الحكومة، وكان المستهدف، ثالثا، هو الطابع السياسي، الذي أصبح رقما مهما في معادلة القرار ببلادنا. وهكذا تم تعويم عملة السياسة في بركة من سبعة أحزاب (مع احتساب حزب التقنوقراط)، كل واحد منها سيغني لحنا خاصا به في جوق سيعزف على آلات مختلفة. لقد بدأنا نرى بوادر الخلافات والحسابات الخاصة تظهر وسط الأغلبية الجديدة، متمثلة في إسقاط بند إلغاء 13 مليار درهم من صندوق المقاصة تذهب إلى دعم الغاز، الذي يستهلك الأغنياء 65٪‏ منه مدعوما من المال العام، حسب تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، الذي وقف على اختلالات نظام المقاصة وتركيبة أسعار غاز البوتان، وقال إن 65% مما نستهلكه من غاز لا تذهب إلى المنازل، بل تذهب إلى الضيعات الفلاحية الكبيرة، حيث يستخرج الماء من الآبار بالغاز لسقي الخضر والفواكه… فلو دعمت الدولة 6 ملايين بيت، غني أو فقير، بخمسين درهما كل شهر لاستهلاك قنينة غاز كبيرة وأخرى صغيرة لما احتجنا سوى إلى أقل من ربع المبلغ المخصص اليوم لدعم الغاز، والذي يذهب إلى الضيعات الفلاحية شبه المعفية من الضرائب، علاوة على ما تستهلكه آلاف المقاهي المنتشرة في كل مكان، والمطاعم والفنادق الفخمة التي تستفيد من دعم غاز البوتان.

اللجنة السداسية، المكلفة بتهييء البرنامج الحكومي، اختلفت حول هذه النقطة، وجرى تعويمها بجمل فضفاضة، لا تعكس التزام حزب العدالة والتنمية في برنامجه الانتخابي باستكمال إصلاح صندوق المقاصة، ورفع الدعم عن الغاز، والتوجه إلى إعطاء دعم مالي مباشر للفقراء وللطبقة الوسطى، حتى لا تهدر مليارات الدعم العمومي بين الأغنياء وشركات المحروقات.

طبيعي أن يعترض حزب التجمع الوطني للأحرار على هذه النقطة في البرنامج الحكومي، وقد كان رئيس حزب الحمامة، عزيز أخنوش، قد وضع هذه النقطة على رأس الشروط التي أشهرها في وجه بنكيران لدخول الحكومة زمن البلوكاج تحت بند: «عدم صرف الدعم المالي المباشر للفقراء»، وهو ما يعني استمرار نظام المقاصة على حاله بعدما عصف بنكيران بأكثر من 40 مليار درهم كانت تذهب لدعم الغازوال و«ليصانص»، ويستفيد منها طرفان هما: الأغنياء وشركات المحروقات، التي لم تكن تخضع إطلاقا لأي نظام مراقبة، كما قال تقرير أسود صدر عن إدارة صندوق المقاصة سنة 2014، وفيه أعلنت إدارة الصندوق، لأول مرة، أن صندوق الدعم، الذي وصلت ميزانيته إلى 5.2 ملايير دولار في سنة 2012، لا يتوفر على أي وسائل تقنية أو بشرية أو علمية لمراقبة صحة الفواتير التي توضع أمامه طلبا لاستخلاص الدعم، وأن إدارة الصندوق لا تعرف، من مصادر رسمية، كمية ما يستورد من محروقات، وأن الصندوق، الذي يشتغل فيه 21 موظفا فقط، بمن فيهم الشواش والسائقون وصغار الموظفين، لا يتوفر حتى على اشتراك في وكالة رويترز لمعرفة سعر برميل النفط في بورصة روتردام كل يوم، ولمتابعة سعر صرف الدولار يوما بيوم، ما كان معه الصندوق مضطرا إلى أداء فواتير شركات المحروقات كما تعرض عليه، دون قدرة على التأكد من صحتها، أو من دقتها، أو من الكميات المستوردة من الخارج، أو من الأرقام المدلى بها.. «والله يجعل الغفلة بين البائع والشاري»!

إن أول امتحان ستتعرض له حكومة العثماني هو مواصلة إصلاح صندوق المقاصة، ورفع الدعم عن 65% من الغاز الذي لا يذهب إلى «كوزينات» الفقراء ومتوسطي الحال، بل يصب في حسابات الشركات الكبرى.

الحل سهل للوصول إلى الفقراء ومتوسطي الحال، وإعطائهم 50 درهما مساعدة لكل أسرة لشراء قنينة غاز كبيرة وأخرى صغيرة كل شهر بسعرهما الحقيقي، هذا سيكلف الميزانية فقط 3,6 ملايير درهم في السنة، عِوَض 13 مليار درهم حاليا (عندنا حوالي 6 ملايين أسرة ستأخذ كل واحدة 50 درهما في الشهر لتشتري قنينة كبيرة وأخرى صغيرة من الغاز بثمنه الحقيقي، وهذا المبلغ سيصرف مباشرة إما في الحساب البنكي للأسر، وإما عبر تخفيض فاتورة الماء والكهرباء بخمسين درهما)، وستوفر الحكومة أكثر من 10 ملايير درهم يمكن توجيهها إلى مساعدة كل النساء الأرامل والمطلقات المعوزات، سواء اللواتي يربين أولادا يتامى، أو اللواتي يعشن تحت سقف الهشاشة بعد موت معيلهن، وهذا سينعكس على نسبة التمدرس وعلى صحة الأطفال، حيث سيصرف الدعم تحت شرط استكمال الأبناء مسارهم الدراسي، ومتابعة دورات التلقيح ضد الأمراض.

لا يعرف الكثيرون أن الدول الغربية، الأكثر رأسمالية وليبرالية، تصرف الدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة والمتوسطة بالمليارات. خذ، مثلا، بريطانيا الصناعية، حيث معدل البطالة أقل من المغرب، تصرف الحكومة 32 مليار جنيه استرليني على دعم الأسر محدودة الدخل لمساعدتها على كراء شقة، مع العلم أن التطبيب والتعليم مجانيان بالكامل وبجودة عالية تفوق التعليم الخصوصي. خذ، مثلا، فرنسا التي تصرف على التكوين المستمر للشباب والكهول أكثر من 30 مليار أورو في السنة من أجل إدماج المعطلين في سوق الشغل، ومن أجل توفير مهارات جديدة للعمال والموظفين ليحافظوا على وظائفهم… نحن في المغرب ندعم الأغنياء والشركات الكبرى وكبار خدام الدولة، وكل قادر على ابتزاز الحكومة، ونترك الفقراء يقرضهم اليأس والإحباط.

المصدر : اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أول امتحان لحكومة العثماني أول امتحان لحكومة العثماني



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري

GMT 13:59 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

هجرة "النجوم" شرًا لا بد منه

GMT 04:24 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

السجن 10 سنوات للجهادي المرتبط بمهاجمة "مانشستر أريينا"

GMT 16:31 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

فنانة صاعدة تهدد مخرج مغربي بـ"فيديو إباحي"

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 22:31 2015 الإثنين ,09 آذار/ مارس

الأزرق والأخضر أبرز ألوان المطابخ في 2015
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca