تجديد الخطاب الديني

الدار البيضاء اليوم  -

تجديد الخطاب الديني

بقلم : إدريس الكنبوري

على مدار يومين بمدينة مراكش، حيث قبر يوسف بن تاشفين المنسي، عقدت مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» الفكرية العربية مؤتمرها السنوي الثاني تحت عنوان»التجديد الديني: الإشكاليات وتحديات التجديد»، بحضور عدد واسع من المفكرين والباحثين العرب المعنيين بالحقل الديني العربي. وقد كانت تلك مناسبة للوقوف على جزء كبير من الحصيلة العامة المتعلقة بمسار فكرة تجديد الخطاب الديني، المسار الذي انطلق قبل عقود غير قصيرة، لكنه في كل مرحلة كان يأخذ لونا مغايرا للمرحلة التي سبقتها، إلى أن وصلنا إلى حيث نحن الآن.
قبل نحو ثلاث سنوات، بدأت المؤسسة، التي يوجد مقرها بالرباط، مشروعها الفكري الطموح برعاية ثلة من المثقفين العرب الذين آلوا على أنفسهم حمل هم التجديد الفكري والثقافي، المطلب المعلق منذ عصر النهضة. يقف على رأس هؤلاء في المؤسسة كل من أحمد فايز ومحمد العاني ويوسف قنديل، وهي مؤسسة ناشطة تحاول جمع شتات المفكرين والباحثين.
وقد لوحظ أن الأوراق التي ألقيت يتجاذبها قلق مشترك، لكنها غير متفقة على مسلك واحد للتجديد في الخطاب الديني، وهو ما عبر عنه بوضوح المفكر اللبناني رضوان السيد الذي تحدث عن القصور في مفهوم التجديد لدى الحاملين لهذا الشعار في العالم العربي والإسلامي، ذلك أن التجديد لدى جزء من هذه النخبة يكاد يدنو من مفهوم التمزيق. وقد طرح السيد تساؤلا محيرا وهو سقف هذا التجديد في وقت توجد فيه على الساحة مجموعة من الفاعلين الذين لديهم توجهات مختلفة حول الدين، منها السلفي والإخواني والصوفي. وكحل للأزمة، طالب المفكر اللبناني بإعادة الاعتبار إلى المؤسسة الدينية في الدول العربية، فهذه المؤسسة -في رأيه- هي الكفيلة بالوقوف في الوسط بين تطرفات، لأسباب منها أنها معتدلة وأنها غير تكفيرية.
مثل هذا الاقتراح طبعا لن يجد آذانا صاغية، وقد انتقده البعض في المؤتمر، ذلك أن قسما من الانتقادات التي توجهها النخبة الفكرية في العالم العربي إلى الثقافة الدينية يسير نصيب الأسد منها إلى هذه المؤسسات الدينية، التي تتهم بالماضوية والتقليد وحتى العمالة أحيانا. وهي اليوم تواجه انتقادات أكثر شراسة من لدن مختلف التيارات المتدخلة في الحقل الديني في العالم العربي. وأكاد أقول إن هذه الانتقادات الأخيرة أكثر حضورا من انتقادات النخبة الفكرية، بل إن المؤسسة الدينية غير عابئة بانتقادات النخبة، ولذا تظل هذه الأخيرة معزولة داخل مربع ضيق تطحن همومها بين أسنانها، لا تكاد تبلعها ولا تكاد تطرحها.
مكمن الخلط في المقاربات الفكرية حول تجديد الخطاب الديني أنها غير واضحة وغير دقيقة. وقد أشار صاحب هذه السطور في مداخلته في الجلسة الختامية إلى أن عيب هذه المقاربات أنها تتستر وراء مناهج أجنبية أنتجت أصلا على هوامش النص المقدس في المسيحية أو اليهودية، وبالتالي يصبح من العبث تنزيلها لقراءة النص الديني في الإسلام، والسؤال الأساسي هو: لماذا فشل الفكر العربي الحديث في ابتكار مناهج من داخل التراث نفسه أو، على الأقل، تكييف المناهج الغربية، من أجل قراءة النص الديني الإسلامي، بدل التعويل على هذه المناهج مثل أي متبضع في سوق للسمك؟ وها هنا مأزق سيكولوجي ومعرفي خطير تعيشه نخبة التجديد الفكري والديني، فهي تستقوي على التراث الإسلامي والنص الديني وتتجرأ عليهما، ولكنها تشعر بالعجز والخضوع أمام المناهج الأجنبية، وهذه هي المفارقة التي تصل أحيانا إلى درجة القسوة على الذات.
قضية التجديد الديني قضية مطروحة منذ العشرات من السنين، لا بل إنها قد طرحت في كل مراحل تاريخ الإسلام، فقد كان كل جيل يفكر بطريقة مختلفة عن طريقة الجيل الذي سبقه، ولكن من داخل النواظم المستقرة، حتى وإن كان الكثيرون يختلفون حول تعريف تلك النواظم ويتضاربون حولها بل يتبادلون الاتهامات. غير أن مشكلة بعض دعاة التجديد الديني اليوم أنهم يريدون خرق حتى الحد الأدنى من الإجماع، ولا تكاد تعرف مقاصدهم من وراء رفع شعار التجديد الديني الذي يستمدون مشروعيتهم في الساحة الفكرية منه، وهذا ما يثير عليهم انتقادات الآخرين الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدين؛ ذلك أن قضية التجديد ظلت دائما مثار حرب ضروس بين مختلف التيارات والاتجاهات، وصلت في الكثير من الأحيان حد التكفير أو التخوين، وتضرر منها علماء وفقهاء ماضيا وحاضرا، لأن هناك دائما معسكرا لا يرى سوى الجانب الأرثوذكسي من الدين ويريد الحفاظ عليه. بيد أن هناك مشروعات لا يمكن تبريرها، وقبل أن أذهب إلى مراكش قرأت الكتاب الأخير للمفكر التونسي عبد المجيد الشرفي «مرجعيات الإسلام السياسي» لأعرف أين وصل تفكيره، ولكن الكتاب لا يطرح حلولا ولا يقدم بديلا، وهو يبدأ بالدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وينتهي بالدعوة إلى إلغاء الدين وهدمه، وهذه هي معضلة من يتصدون لنقد الخطاب الديني معتمدين على فوضى منهجية.. أساؤوا فهم الفكر الإسلامي، ولم يحسنوا فهم الفكر الغربي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجديد الخطاب الديني تجديد الخطاب الديني



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:19 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 12:52 2013 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

هل الدكتور دكتور والمهندس بالفعل مهندس؟

GMT 00:29 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مشاحنات في جنازة سعيد بونعيلات بين عائلته ورفاقه

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 05:23 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات فساتين للمحجبات من أسبوع الموضة في نيويورك

GMT 22:09 2015 الثلاثاء ,17 شباط / فبراير

افتتاح فرع جديد من "المطعم البلدي" في مراكش

GMT 02:51 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

شاب هندي يعاني من مرض الشيخوخة المبكرة

GMT 23:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

تفاصيل "اجتماع الأزمة" بين أبرشان ولاعبي اتحاد طنجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca