إعفاء بن كيران.. رسائل القصر المغربي

الدار البيضاء اليوم  -

إعفاء بن كيران رسائل القصر المغربي

بقلم - ادريس الكنبوري

بعد أزيد من خمسة أشهر من تكليف عبدالإله بن كيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي، رئيسا للحكومة عقب الانتخابات التشريعية التي نظمت بالبلاد في السابع من أكتوبر الماضي، قرر العاهل المغربي الملك محمد السادس إعفاءه من المهمة، في انتظار تكليف شخص ثان من نفس الحزب، الذي حاز على الرتبة الأولى في الانتخابات، حسبما جاء في بلاغ للديوان الملكي الأربعاء.

ولا شك أن قرار الإعفاء شكل مفاجأة لم تكن متوقعة بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، ذلك أن هذا الأخير ظل طيلة الأشهر الماضية يوجه الرسائل إلى القصر عن طريق الصحافة من خلال التسريبات الجانبية، على هامش المفاوضات التي كان بن كيران يجريها مع الأحزاب السياسية لتشكيل أغلبيته، من دون أن يتجرأ هذا الأخير على العودة إلى الملك ومكاشفته بالفشل في مهمته. ويبدو أن الحزب اختار تلك الاستراتيجية كوسيلة للضغط من جهة على الأحزاب التي كانت طرفا في المشاورات السياسية، ومن جهة ثانية كوسيلة لإقناع القصر باختياراته ودفعه ربما إلى تسهيل مهمته.

وفي الوقت الذي التزم فيه القصر الحياد، ظلت مهمة بن كيران مستعصية نتيجة تشبثه ومختلف الأطراف الأخرى بنفس المواقف. فأمين عام حزب العدالة والتنمية رفض منذ البداية الانصياع للشروط التي وضعها حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي ربط مصيره بحزبي الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في ما كان بن كيران يصر على عدم إشراك الحزب الأخير في المشاورات ويرفض أن يكون جزءا من أغلبيته. وفي الوقت الذي رفض بن كيران إشراك الاتحاد الاشتراكي في الحكومة رفض عزيز أخنوش، رئيس التجمع، بدوره إدخال حزب الاستقلال فيها، وكان ذلك إشارة على أن الطرفين لن يتفاهما.

إحدى العقبات التي واجهت بن كيران في مشاوراته هي خطابه السياسي. فالرجل تصرف منذ البداية وكأن نتائج الانتخابات شيك على بياض، ويمكنه أن يشكل الأغلبية في معزل عن الأعراف السياسية السائدة في البلاد، إذ لوحظ أنه في كل مرة كان يذكر بأن حصول حزبه على الأغلبية معناه أن الشعب أراده دون غيره من الأحزاب، فيما نسي بن كيران أن الحياة السياسية في المغرب مبنية على التوافقات لا على المناكفة. كما أنه تعمد إرسال إشارات سلبية إلى القصر ومختلف الأطراف السياسية الأخرى، ملوحا بالعودة إلى المعارضة حينا، وبالدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة حينا آخر، وهي رسائل لم يكن من الطبيعي أن تتقبلها الدولة بصدر رحب، مثلما كانت مزعجة للطبقة السياسية.

وفي محاولة لحلحلة الوضع، بعث الملك محمد السادس إلى بن كيران مستشارين له بهدف حثه على تكثيف المفاوضات بهدف تشكيل الأغلبية الحكومية، خصوصا وأن المغرب آنذاك كان أمام اختبار صعب مرتبط بالتحضير لعودته إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، بعد غياب استمر أكثر من ثلاثة عقود. وبمناسبة الذكرى 41 للمسيرة الخضراء، التي استرجع بموجبها المغرب سيادته على أقاليمه الجنوبية عام 1975، ألقى الملك خطابا من العاصمة السنغالية داكار، رسم فيه ما يشبه رسم الخطوط العريضة للحكومة المنتظرة، مطالبا بأن تكون حكومة ذات برنامج واضح وأولويات محددة للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها أفريقيا؛ كما انتقد بطريقة مواربة سير المشاورات بين رئيس الحكومة والأحزاب السياسية، حين أكد على ضرورة عدم التعامل مع تشكيل الحكومة باعتباره توزيعا للغنائم؛ بيد أن كل تلك الإشارات لم تفلح في تذليل العقبات أمام تشكيل الأغلبية الجديدة والخروج من النفق.

وبالرغم من إزاحة بن كيران عن رئاسة الحكومة، لفشله في تشكيلها بعد خمسة أشهر من المشاورات التي تخللتها خصومات سياسية وتصعيد وتصعيد مضاد، إلا أن الملك أبقى على المنهجية الديمقراطية، كتعبير واضح منه على احترام الإرادة العامة للمغاربة ونتائج الانتخابات، حيث قرر تعيين شخص ثان من نفس الحزب الذي يرأسه بن كيران، بالرغم من أن الدستور يمنحه صلاحيات واسعة بوصفه رئيسا للدولة، وهذا ما أشار إليه بلاغ الديوان الملكي حيث جاء فيه “وقد فضل جلالة الملك أن يتخذ هذا القرار السامي، من ضمن كل الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نص وروح الدستور، تجسيدا لإرادته الصادقة وحرصه الدائم على توطيد الاختيار الديمقراطي، وصيانة المكـاسب التي حققتها بـلادنا في هذا المجال”.

غير أن مهمة البديل المفترض لبن كيران لن تكون سهلة على مستوى تدبير النظام الداخلي لحزب العدالة والتنمية، فهذا الأخير عاش طويلا على فكرة الشخص الواحد المهيمن، وكان الكثيرون فيه ينظرون إلى بن كيران كزعيم وليس كأمين عام لحزب سياسي؛ كما يعتبره الكثيرون صاحب الفضل في الفوز الانتخابي الذي حققه الحزب خلال الانتخابات الماضية، بالرغم من أدائه الضعيف كقائد للحكومة. ومن الأدوار الجديدة التي تنتظر رئيس الحكومة المقبل أن يغير هذه النظرة تجاه الحزب وأن يجعل هذا الأخير أكثر قربا من العمل المؤسساتي وأكثر بعدا من الشخصنة.

والتحدي الأبرز أمام خليفة بن كيران في المرحلة المقبلة، بعد أن يختاره القصر أو يرشحه الحزب بطلب من هذا الأخير، هو تغيير طبيعة المقاربة السياسية التي اعتمدها بن كيران في مشاوراته مع الأحزاب. ومن المرجح أن الشخص الجديد سيغلب المقاربة التشاركية مستفيدا من تجربة بن كيران من ناحية، ومن الرسالة الضمنية التي يتضمنها البلاغ الملكي من ناحية ثانية، إذ يمكن القول بأن قرار الإعفاء تعبير عن انزعاج القصر من طول المفاوضات وانحرافها إلى صراعات سياسية جانبية حولت المفاوضات إلى تصفية حسابات أكثر مما غلبت المصلحة العليا للدولة.

لكن هذا لا يعني أن تعيين رئيس حكومة جديد سيكون نهاية المسار، وفي هذه الناحية فإن بلاغ الديوان الملكي قد ترك الباب مفتوحا أمام احتمالات أخرى، ومن جملة هذه الاحتمالات تعيين شخص ثالث في حال فشل الشخص الثاني في تشكيل الحكومة، أو الذهاب إلى الحزب الثاني الفائز في الانتخابات وهو حزب الأصالة والمعاصرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعفاء بن كيران رسائل القصر المغربي إعفاء بن كيران رسائل القصر المغربي



GMT 05:54 2018 الخميس ,08 آذار/ مارس

بن كيران وخطة العودة من باب الدعوة

GMT 07:09 2017 الجمعة ,07 إبريل / نيسان

حكومة جديدة في المغرب

GMT 06:17 2017 الخميس ,30 آذار/ مارس

العثماني يسقط لاءات بن كيران

GMT 06:29 2016 الأربعاء ,31 آب / أغسطس

انتخابات السابع من أكتوبر: شي برنامج عالله !

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca