عودة العلاقات المغربية - الكوبية وعزلة البوليساريو

الدار البيضاء اليوم  -

عودة العلاقات المغربية  الكوبية وعزلة البوليساريو

بقلم : ادريس الكنبوري

نجح المغرب منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي في شهر أغسطس الماضي بعد أكثر من ثلاثين سنة من الغياب، في تحقيق أكبر اختراق دبلوماسي في أميركا اللاتينية يمكنه أن يقلب المعادلة السياسية في نزاع الصحراء.

فعودة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وهافانا، التي انقطعت عام 1980، تظهر بشكل ملموس أن المغرب اختار الدبلوماسية الهادئة للدفاع عن أطروحته حول وحدته الترابية. دبلوماسية قوية تتحرك في المحيط الطبيعي الذي كانت تتحرك فيه جبهة البوليساريو وتعتبره حديقة خلفية لها.

أعلنت كوبا، منذ بداية الستينات من القرن الماضي، عداءها الواضح للمغرب. وقد كانت تلك السياسة طبيعية في ظروف الحرب الباردة وسعي هافانا إلى لعب دور على مستوى العالم الثالث، بحيث كانت ترى في النظام الملكي المغربي نظاما رجعيا يجب أن يُزال.

وخلال حرب الرمال التي اندلعت عام 1963 بين المغرب والجزائر في عهد أحمد بن بلة دعمت كوبا النظام الجزائري بالسلاح وحاولت حشد المواقف الإقليمية والدولية ضد الرباط.

بيد أن نقطة اللاعودة بين المغرب وكوبا حصلت في نهاية السبعينات عندما شرعت في احتضان أتباع جبهة البوليساريو لتدريبهم فوق أراضيها أو للدراسة، وتقديم السلاح لها في مواجهة المغرب لتحقيق مطالبهم في الانفصال، ما دفع المغرب في بداية الثمانينات إلى قطع العلاقات الثنائية على أساس أن التعايش مع نظام شيوعي له أجندة خاصة في المنطقة لم يعد ممكنا.

استفادت البوليساريو من انقطاع العلاقات فحوّلت كوبا إلى ملاذ آمن ومصدر للمال والسلاح. فخلال العقود الماضية قامت هافانا بتدريب الآلاف من الجنود التابعين للجبهة واستقبال الآلاف للدراسة، ووفّرت السلاح والتمويل وأقنعت عددا من البلدان في أميركا اللاتينية بالاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، وكانت إلى جانب ليبيا في عهد معمر القذافي والجزائر، أكبر المؤيدين لأطروحة البوليساريو حول انفصال الصحراء عن المغرب.

غير أنّ انهيار المعسكر الاشتراكي في بداية التسعينات وسقوط جدار برلين، وزوال منظمة التعاون الاقتصادي “الكوميكون” التي كانت موسكو تجعل منها ناديا لدعم البلدان الاشتراكية التابعة لها منذ عام 1949، أضعف الموقف الكوبي على الصعيد الإقليمي وأثّر على الوضع الاقتصادي فيها ما دفع هافانا إلى تقليص دعمها للبوليساريو بشكل تدريجي.

وفي الوقت الذي كانت كوبا تستقبل سنويا ما بين 800 إلى 1000 شخص من الجبهة لتدريبهم في الفترة ما بين 1980 و1999، تراجع هذا العدد إلى 200 شخص سنويا منذ النصف الثاني من التسعينات، وهي نفس الفترة التي سجل فيها الدعم الجزائري تراجعا ملحوظا، بسبب تداعيات الحرب الداخلية مع الجماعات الإسلامية وتأثيرها على الوضع الاقتصادي الجزائري.

وبعد استقالة الرئيس الكوبي فيديل كاسترو عن السلطة عام 2008 بسبب المرض وتفويض السلطة إلى شقيقه راوول كاسترو، بدا تخوف قيادة البوليساريو من احتمال حصول تحوّلات في المواقف التقليدية لهافانا تجاه ملف الصحراء والعلاقة مع الجبهة.

وفي عام 2014 قام رئيس الجبهة محمد عبدالعزيز، المتوفي في العام الماضي، بآخر زيارة له إلى كوبا دامت يومين، طلب خلالها تقديم مساعدات عسكرية للجبهة، لكنه لم يحصل على ما يريد بسبب الأزمة الاقتصادية التي كانت تجتازها الحكومة الكوبية، ما جعله يلجأ إلى فنزويلا.

وباستثناء هذه الأخيرة اليوم، توجد الجبهة في عزلة شبه كاملة، بما في ذلك داخل إسبانيا التي لم تعد الطبقة السياسية تقاسمها نفس الأطروحة التقليدية كما كان الأمر في السابق، عدا بعض جمعيات المجتمع المدني الإسباني التي لا تزال تنظر إلى مواقف البوليساريو على أنها تمثل مواقف جميع الصحراويين.

تطبيع العلاقات بين المغرب وكوبا خطوة في اتجاه عزل البوليساريو في قارة بعيدة كانت ترى أنها في منأى عن الدبلوماسية المغربية، بعد الضربات التي تلقتها في القارة الأفريقية منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي. شكل ذلك صدمة لقيادة الجبهة التي سارعت إلى تخفيف أثر ذلك على سكان المخيمات بالقول إن لا شيء سيتغير، وإن الوضع سيكون مشابها للوضع مع الجزائر التي تحتضن سفارة للمغرب وفي نفس الوقت سفارة ما يسمى “الجمهورية الصحراوية”. بيد أن هذا التفسير يشبه حركة لديك مذبوح لأن الموقف الجزائري نفسه في ظل التحوّلات الراهنة سيصبح في عزلة عن محيطه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة العلاقات المغربية  الكوبية وعزلة البوليساريو عودة العلاقات المغربية  الكوبية وعزلة البوليساريو



GMT 08:22 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"إيتا" الباسكية تنهي حقبة الدماء في إسبانيا

GMT 01:23 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

تحولات في جغرافيا الإرهاب

GMT 03:29 2018 الجمعة ,07 أيلول / سبتمبر

أردوغان وسياسات المباغتة

GMT 05:20 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

موسم سقوط العمائم

GMT 04:12 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

الإرهاب والفساد السياسي

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca