بقلم - سليمان اصفهاني
يعتقد المرء بعد مرور الحلقة الأولى من مسلسل "غرابيب سود" أن العمل قد وضع على المسار الصحيح لجهة مناهضة تنظيم "داعش" المتطرف، وعبر تسليط الضوء على فكره و جرائمه وقوانينه وغيرها من الآفات التي تلاحق تلك المجموعات، بعد انتشارها في عدد من الدول العربية وبلدان العالم، ونجحت بداية تلك الفكرة في التأسيس لسلسلة درامية كان من الممكن أن تخدم الرأي العام، وتعبر عن صورة حقيقية لذلك الوحش الملون بالتطرف الذي أتى كي يغزو الحياة بالدم والنار .
لكن مع الوصول إلى الحلقة الرابعة، باتت كل الأحداث روتينية ومنغلقة تمامًا على نفسها، بعد محاصرتها في معسكر محدد الأطراف، وإقحام الفكرة الأساسية بالرتابة والإعادة و التكرار ومراقبة قرارات وغراميات والانفصام النفسي الذي يعاني منه أمير المجموعة المتطرفة "أبو طلحة"، إلى جانب رصد أفكار و مغامرات عناصر التنظيم داخل مقرهم الخاص، دون الخروج إلى دائرة العمليات الانتحارية والاشتباكات المسلحة، وغيرها من الأحداث التي كان من المفترض أن لا يتم تقييدها وتعليب عمقها، لأن وحش التطرف ليس من المعقول اختصاره ببعض الأعلام السوداء وكمية من البنادق والأناشيد والاستعراضات البهلوانية، التي أكثرها لا يمت إلى الحقيقة بصلة، خصوصًا بعد أن تم تصويب البوصلة نحو الرغبات الجنسية أكثر من "الإرهاب"، وهو الامر الذي أثار سخرية العارفين ببواطن الأمور، حيث انحرفت الفكرة عن مسارها، وراحت تعمل وفق معايير المبالغة حتى تتمكن من لفت انتباه المشاهدين .
ثلاثة مخرجين تولوا إخراج مسلسل "غرابيب سود"، وهم حسام الرنتيسي، وحسين شوكت، وعادل أديب، وهي الناحية التي تثير الاستغراب لأن العمل بأكمله جرى تنفيذه داخل موقع واحد محدد، ولا يحتاج إلى كل هؤلاء العاملين في مجال الإخراج الدرامي، وحتى الأحداث تبدو سطحية وقائمة على حوارات بين عناصر التنظيم في سبيل الإضاءة على أفكارهم، وحتى إن صيغة "الأكشن" بدت مفقودة في مجريات الحلقات، وليس من المفهوم لماذا كل هذه الأعداد الهائلة من المنفذين طالما أن الموضوع لا يستحق أكثر من مخرج واحد، وحتى إن مسلسلات أخرى فيها تصوير داخل عشرات المواقع لم تحتج إلى كل ذلك الفريق، الذي عمل وفق المقولة الشعبية اللبنانية التي تفيد بأن كثرة الطباخين ساهمت في احتراق الطبخة.
"غرابيب سود" مسلسل فقد السيطرة على توجهاته، وأصبح مجرد واحة للأعلام السود وأحاديث الجنس واغتصاب الأطفال وجهاد النكاح وتجارة الاعضاء والاغتيالات، وغيرها من النواحي التي ربما تكون موجودة في تصرفات عناصر "داعش"، لكنها ليست الأساس في توسعهم وتدريباتهم وأهدافهم، التي تصب في خانة الترويج للتطرف على المستوى العالمي والانقضاض على الثروات الطبيعية، وفرض القوانين الخاصة على عامة الناس، والتحكم بمصائرهم وأرواحهم والمتاجرة بهم في سوق الرقيق الأبيض، وربما غاب عن صناع هذا العمل أن تنظيم "داعش" بات هدفًا عالميًا، و"أبو طلحة" و "مفتي الجماعة" والمسؤول العسكري و غيرهم من النماذج ليسوا المقياس الصحيح لتناول هكذا مجموعة، دمرت دولاً بأكملها و قامت بعمليات كتطرفة في بلدان غربية، وهي تشكل خطرًا قوميًا على الكرة الأرضية، فكيف يمكن تعليب كل تلك المخاطر في نموذج درامي فقير إلى هذه الدرجة.