وصف الدريوش: من ثكن "اسبنيول" إلى بيت "الجير"

الدار البيضاء اليوم  -

وصف الدريوش من ثكن اسبنيول إلى بيت الجير

بقلم: حمزة بوحدايد

أكاد أجزم أنها مدينة بلا ثقافة بلا كتابة، اعذروني يا أهالي الدريوش، تصوروا أنه لا يوجد في هذه المدينة الراسخة ولو متجر واحد للجرائد أو بصفة عامة للكتب، إنها مدينة فارغة من العلم، بل حتى في المقاهي التي وان كانت ثكن الكسالى والنميمة، فإنهم لا يملكون صكوك الغفران(الجرائد) لتكفير عن ذنوبهم، فنادرًا ما ترى أحد ينكب ورأسه إلى كتاب أو جريدة، فالثقافة في هذه المدينة مسجد لا يعرفونه ولا طريق عبدوها له "بكروشهم" الضخمة التي يسيل منها مداد الفساد والأموال المغسولة، فالقاعدة هنا أن يرفع الجميع رأسه نحو الشارع محملقين في الجمال أو بالأحرى الاستطلاع (للغادي وجاي، فلا يوجد في المدينة إلا القفار فلما ينظرون؟؟)، أما الاستثناء في عاصمة "الكرت" وهو الوادي العملاق الوحش الذي يخترقها يستقبل الزوار بصخبه العارم عندما يذكر الداخلين من الغرباء انه من هنا انطلقت الجيوش الاسبانية لقمع الأمير فعلى مقربة منه" القشلاة " القاعدة العسكرية التي أصبحت اليوم مدينة مستقلة لسكان السماء، مطلين على عبق غابة "جرسيا" الاسباني العجوز صاحب كنيسة الرهبان المفتتة، يرتادها اليوم المخمورون والمجانين، وكأنهم يقولون أينك يا مسيحنا؟ نحن أراذل الناس، أينك؟ لنخرج هؤلاء من الجهل والضلال إلى الثقافة والنور.

تتحرك قليلا من على حافة جرسيا، مستوطنين في "الفيلاج"، القادمين من مختلف مناطق المغرب صانعين من "الفيلاج أو المركز الأول وكرا لثعالب ومرتعا "للشمكارى"  آنذاك أما اليوم فقد أصابه من العياء أن هرم ولم يعد ينشط في شيء سوى انه يحمل في ذاكرته أنه كان مخمرا اسبانيا أو مكان لأنشطة العسكر الموازية لقمع المجاهدين، بالرغم من  سلبيات "الفيلاج" يتذكر أهل المنطقة أنه يحمل  في جوفه الملعب "الشرفي" كما يسمونه والذي يشع منه عطر البشر ما شر منهم ولم يحترم المرافق العمومية، وأي مرفق كان وجدرانه المهترئة تشهد على بؤسه وبؤس رياضته التي ما دائما ميزها الرشق بالحجارة في "كلاسيكوهات" الريف مع "ميدار" أو" النادور"، لكن للرياضة تاريخ في المدينة عندما مارس الجنود الاسبان الفروسية في "ديدينسيا" الحي المنسي، على مشرفة واد "إيسلان"، كم هي كثيرة الأحياء المنسية (سكان ما وراء "إيسلان" وسكان ما وراء كرط أو "بلويدان")، هكذا هي الدريوش هضبة ليست ككل الهضاب، لما بنته أيام الزمن الجميل، عندما كانت أكبر جماعة قروية في المغرب، وفي رمشة أزالت على وجهها ندوب التهميش مبتسمة لداخليها أن قبعة الإسبان رفعتها رياح الغازات السامة التي بين خريف وخريف قادم تسوح في المدينة معلنة نوم الشتاء، حيث تنطفئ الأضواء في ساعات باكرة مخبرة في نهاية صخب الصيف، الذي لم يعد في الآونة الآخرة كما قبل سنوات قليلة خالت، عندما كان الهرج والشيشة أكثر ما يملئ المقاهي من الذين كانوا يرددون:"أصحاب المغرب"، هو الواقع بين من غادر للخارج ومن يعيش في الدريوش حاملا تذكرة نسيان وتغييرا حدث، فأصحاب الخارج كما ينعتون لم يعودوا كما كانوا، تراهم بين خلسة وأخرى في الشتاء والصيف والربيع والخريف، ومنهم من تراه دائما إلى جانبك مثلك ينتظر رشفة الشاي المنعنعة، يشاهد أوراق الانتخابات توسخ الأمكنة والأرصف، فالاستثناء في هذه السنوات أن الانتخابات أصبحت تشكل حدثا بارزا لما تحمله من شجب الصياح.

كالكونغرس تملك الدريوش تيارين رمز الحمار الديموقراطي الأميركي(وأنا دائما كنت أتساءل حول رمزية الحمار لديموقراطيين  الأميركيين مع أنه لا يربطهم بالحمار تاريخ كما يربط بلادنا، فقد كان بالأحرى أن يكون رمز أحزابنا السياسية لما لهذا الحيوان من أثر في الذاكرة الشعبية لشعوبنا وهو كفاعل رئيسي  في حياة المغاربة قبل عهد السيارات)  ورمز الفيل الأميركي(على الرغم أن أميركا ليست بلاد للفيلة لكنهم أخذوا هذا الرمز، فالأميركيون يسلبون هويات غيرهم، سلبوا منا الحمار ومن أفريقيا جنوب الصحراء الفيل)، وهم في صراع محموم، على بيت "الجير" عفوا الأبيض "البلدية" في الدريوش " ، هذا هو الحال بين ماضي "ثكن اسبنيول" وحاضر "بلدية الجير"، حيث تغير الكثير في مدينتنا الدريوش فعلى الأقل، باتت معروفة في كل المغرب بعدما كان الإسبان وحدهم من يكتبون عنها عندما كانت مدينتهم المدللة، فلذا كانت تملئ جرائدهم ب:"Dar Drius"

هذه هي الدريوش ثكن اسبنيول في استهلالها للخريف، الذي كثيرا ما رسخ في مخيلة البوهميين آثارا عميقا في وجدانهم، ومستلهمين منه صورهم الفنية والأدبية التي رسبت أمام الفصول معلنة الخلود.
                

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وصف الدريوش من ثكن اسبنيول إلى بيت الجير وصف الدريوش من ثكن اسبنيول إلى بيت الجير



GMT 10:18 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

GMT 12:12 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 18:10 2022 الثلاثاء ,15 آذار/ مارس

أنور الخطيب لمحمود درويش: إذن..لماذا خرجت

GMT 14:57 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

التنوع الثقافي لا يُفسد للود قضية

GMT 14:45 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

" واقتلع الشوق ماتبقى مني "

GMT 14:00 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

رقي الإمارات سرها وسحرها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca