سقط القناع

الدار البيضاء اليوم  -

سقط القناع

بقلم: يونس الخراشي

لعل الذين تابعوا يوميات أولمبياد ريو دي جانيرو، لاحظوا الحضور القوي للعلم الإسرائيلي هنا وهناك، ذلك أنه منذ البداية، في 5 أغسطس/آب الجاري، وعلمهم يظهر، بشكل غير عرضي، في شاشات التلفزيون، في "عمل" منظم، ومدروس، لمن يحتلون القدس، ويجثمون على صدر الشعب الفلسطيني الأبيّ، كي تكون راية إسرائيل مرفوعة، وكلمتها مسموعة.

ما يؤكد أن "الناس مراهمش يلعبو"، على حد تعبير إخواننا في الشرق، هو أن اللجنة الأولمبية الدولية استجابت لرغبة إسرائيل في إقامة نصب تذكاري يؤرخ لحادثة اغتيال 11 رياضيًا إسرائيليًا عام 1972 ضمن أولمبياد ميونيخ، بحيث استغلت الدورة الأولمبية في "حق أريد به باطل"، في وقت لم يقف من يعنيهم الأمر "دقيقة صمت" أو "دقيقة صوت" حتى يحصل شباب فسلطين على ألبستهم الرياضية التي حرمتهم منها إسرائيل نفسها، وهم يتأهبون للسفر إلى ريو دي جانيرو.

الحق أن "عمل" الإسرائيليين في العمق ليس شيئًا جديدًا، إنما هو يتأكد يومًا بعد يوم، ما يشير إلى أن الألعاب الأولمبية، مثلها مثل أي حدث رياضي عالمي بارز، تشكل بالنسبة إلى تل أبيب، التي قتلت مرات ومرات، وبدم بارد، مناضلين فلسطينين في الشتات دون أن يقف لهم أحد، أو تهتز له شعرة، تعرف ما هي الرياضة بالنسبة إلى الناس في العالم، ومدى متابعتهم لها، وشغفهم بها، وتلعب "لعبتها" حتى لو تعلق الأمر بكاميرات تمر سريعًا فلا تلتقط سوى العلم الإسرائيلي وهو بين يدي متفرج ما في ملعب ما.

أعداء هذا العدو لم يكونوا على القدر نفسه من الحضور مع الأسف. فلا هم جلسوا في المواقع التي تمر منها الكاميرات في "بانوات"، ولا هم طالبوا بـ"دقيقة صمت" لأجل أطفال فلسطين وسورية والعراق، ولا هم تحركوا في الملاعب ليحرزوا ميداليات، ولا هم أقاموا ندوات أو لقاءات يعرفوا فيها الناس بقضيتهم، ولا هم دافعوا حتى عن حق بسيط للغاية في أن تعتمد لغتهم ضمن لغات العالم الأخرى المعتمدة في الإجراءات اليومية للألعاب الأولمبية، حيث هي مغيبة تمامًا.

فدون الحضور "الليلي" لبعض "القامات العربية" في شاطئ كوباكابانا، الذي سارت بذكره الركبان ومواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن للعرب حضور يذكر في الألعاب الأولمبية لريو دي جانيرو أو حتى على هامشها، ما يؤكد بأننا، من البحر إلى البحر، لسنا متخلفين؛ ولو بدرجات ومستويات، عن الركب الرياضي العالمي وحسب، بل عن الركب الحضاري كلل، بما يعنيه من تجليات لبروز شخصيتنا وسط باقي الشخصيات، في ما تقدمه للعالم، وبما تدافع به عن نفسها أمام العالم.

لقد قلنا، منذ الأيام الأولى لدورة ريو دي جانيرو، إن الألعاب الأولمبية ليست فسحة صيف وركض وراء الميداليات فقط، وإن كنا نتمنى لو أنها كانت كذلك، بالنسبة إلى رياضيينا ورياضيي العالم كله، بل هي "محطة نزول مؤقت" للدفاع عن قضايا، وإثبات الذات، ورفع الصوت ليسمع صاحبه ويحترم، والتنبيه إلى وجوه التقصير تجاهه، والتعارف بما يرفع الشأن عاليًا ويحفظ الكرامة، وبطبيعة الحال هي فرصة لكسب الميداليات، والتموقع في مركز مشرف على سبورة الترتيب العالم.

بالله عليكم، كيف لمن لا يملكون هذه الخلفية أن يحضروا أنسفهم بشكل لائق لـ"حج الرياضيين"، و"موسم" الميداليات، و"سوق" عرض السلع الرابحة؟
أي نعم لقد فشل العرب رياضيًا، وهذا ليس أمرًا يفاجئ إلا من يحبون أن يفاجأوا، ليملأوا الفراغ باللغط والأحاديث التي لا تنتهي إلى شيء، غير أن الفشل الذريع هو تفويتهم فرصة كدورة ريو دي جانيرو الأولمبية، وغيرها من الدورات الأولمبية، دون أن يتسنى لهم الخروج بحزمة نتائج جيدة من حيث الجوانب التي لا صلة لها بالملاعب الرياضية، بقدر ما لها من صلة بملاعب الترتيب العالمي في سلم التقدم والازدهار والتنمية البشرية.

رحم الله محمود درويش، فقد سقط القناع بالفعل، بل سقطت كل الأقنعة، وخسرنا رياضيًا، بخسراتنا في ما يصنع الرياضة والرياضيين، وأن لمن هو في ذيل الترتيب العالمي من حيث التعليم والصحة والسكن والحياة كلها أن يكون ضمن أوائل الناس في سبورة الترتيب الأولمبية، ومع كل ذلك.. "أقول الآن لا... إلى ما تبقى من هواء الأرض .

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقط القناع سقط القناع



GMT 14:31 2016 الجمعة ,02 أيلول / سبتمبر

دعاء المهزومين

GMT 00:17 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شرطي في حادثة انقلاب حافلة في القنيطرة

GMT 23:39 2016 الثلاثاء ,13 أيلول / سبتمبر

تناول مكسرات اللوز بانتظام تحميك من زيادة الوزن

GMT 11:00 2017 الأحد ,08 تشرين الأول / أكتوبر

حمام "ربي" أشهر المنتجعات الصحية المثيرة في الجزائر

GMT 13:45 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ضحية جريمة مراكش تقدّم روايتها حول حادث قتل فيه صديقها

GMT 06:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

عرض أحد أقدم أندية إيطاليا للبيع بشكل رسمي

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca