يوميات روسيا.. (1)

الدار البيضاء اليوم  -

يوميات روسيا 1

يونس الخراشي

وصلت إلى مطار محمد الخامس مبكرًا في ذلك اليوم (13 يونيو 2018). وحين بلغت قاعة الركوب، بعد تفتيش دقيق للغاية، جلست أنصت لـ"العظام". وإذا بي بجانب شاب مغربي، من خريجي المدرسة المحمدية للمهندسين. يشتغل في قطر، وبالتحديد ضمن الفريق الذي يعد البلد لاستضافة مونديال 2022.
كانت الجلسة ممتعة للغاية، استفدت فيها الكثير من ذلك الشاب المؤدب والمتواضع. ملخصها أنه تمنى أن يفيد بلده، ولكن بما أن الفرصة الآن في قطر، فهو يشتغل، وبجدية كاملة. قال لي إنهم يستعدون بثقة لتنظيم المونديال. وأكد لي أن الحصار كان نعمة، لأنه فتح السوق لشركات مختلفة، وأتاح للزبناء أنواع لم يكونوا يعرفونها من قبل. كما أنه جعل القطريين يشمرون عن ساعد الجد أكثر.
في لحظة تالية بدأ الزملاء الذين سيشكلون الوفد الصحافي المغربي إلى روسيا، لتغطية فعاليات المونديال في التوافد. وكانت فرصة كي ألتقي عددا كثيرا منهم، لم تسمع الأيام، وجرياننا جميعا وراء الخبر، بأن نلتقي. مع العلم أن بعضهم سبقونا إلى روسيا، وبخاصة الزملاء سفيان أندجار من جريدة الأخبار، ومحمد عاقيل (مكاو) من جريدة بيان اليوم، وهشام بنثابت من جريدة العلم. كان إخبارهم بالسفر طارئا، وغادروا فجأة من مطار الرباط سلا.
في الطائرة جلست إلى جانب الأخ هشام رمرام. كنت محظوظا جدا. وسرعان ما رحنا نتحدث عن هموم الصحافة، والأخبار الزائفة التي راحت تنتشر كالنار في الهشيم. كما تجاذبنا أطراف الحديث، مطولا، عن البلد، وهموم الناس. لا يمكنك أن تتحدث مع هشام دون أن يسحرك بتحليلاته المبنية على وقائع وأرقام ومعطيات دقيقة. إنه رجل يحب بلده، وهو غاضب جدا على واقعنا المؤلم، ويتمنى أن تحدث معجزات حتى يعيش أولادنا جميعا مستقبلا جيدا.
كانت الرحلة طويلة نسبيا. ليس لأنها استمرت خمس ساعات وربع بالضبط، ولكن لأننا كنا نغادر المغرب في الأيام الأخيرة لشهر رمضان، ويوما واحدا فقط قبل انطلاق منافسات المونديال، وفي ظروف مادية لن تسمح بأشياء كثيرة. كل ما سبق جعلنا نشعر بأن رحلتنا طويلة. وخلا كل منا إلى نفسه لبعض الوقت. ثم إذا بنا نصل إلى موسكو التي كان طقسها جميلا. تماما عكس ما كنا نتصور، سيما أن بعض الذين سبقونا صادفوا يوما أو يومين بطقس بارد ومطير، ونشروا صورا لهم، على الفيسبوك، بمعاطف.
كنا نتهيأ للنزول من الطائرة حين أخبرنا أحدهم بأنه يلزمنا البقاء في أمكاننا، حتى يفحصنا طاقم طبي روسي، على سبيل الاحتياط. كان هذا الأخير مكونا من سيدتين كبيرتين في السن نسبيا. بين الخمسين والستين. وهناك طبيب، على الأرجح، يراقب من بعيد. ورجال أمن، فضلا عن مستخدم أو اثنين من المطار. وخمنت أن الأمر يتصل بكأس العالم، ورغبة القيمين عليه في تفادي أي مرض معد، لا قدر الله.
السيدتان اللتان كانتا تحملان جهازا أشبه بآلات التصوير، لم تتركا أحدا من الركاب دون التدقيق في سلامته الجسمية. ربما كانت الآلتان، في يديهما، تسبران الحرارة عن طريق مقياس رقمي متطور. أعطيتانا صورة سيئة عن الروس، مع الأسف. فلم تبتسما مطلقا. وخمنت شخصيا أن الفكرة التي تنتشر بيننا عن الروس صحيحة؛ قوم لا يبتسمون. سيتبين لي لاحقا أنني كنت مخطئا. وقدرت أن إحجام السيدتين عن الابتسام ربما له صلة بالعمل؛ أو لنقل بفرط العمل، وهو الأصح. من يدري؟
عندما كنا نخرج إلى قاعة العموم في مطار موسكو الكبير، أخذني منظر السقف الجميل. كان مصنوعا من الزجاج. يسافر بك مجددا، وهذه المرة إلى السماء. هذا هو الفضاء المفتوح حقا. وما أن نزلت بعيني إلى الأسف، حتى عرفت بأن هناك حافلة في انتظار الوفد الإعلامي المغربي كي تنقله إلى الفندق. كان خبرا ثانيا مفرحا حقا. الخبر الأول هو سرعة العبور من الداخل إلى الخارج، فعملية التفتيش هذه المرة لم تأكل من وقتنا الكثير.
ظننت لوهلة بأن الفندق لن يكون بعيدا جدا. غير أن ظني لم يكن في محله. فالفندق كان في الطرف الآخر من المدينة. بل خارج المدينة، في منطقة اسمها خوفرينو، يستعد مسؤولوها لربطها بمناطق أخرى بالميترو. ولم نصل إليه إلا حوالي الساعة الواحدة والنصف. وما أن دخلنا بابه حتى أشعرنا زملاء سبقونا بأن الفجر يؤذن في الساعة الواحدة و45 دقيقة. ليبدأ سباق السحور. أكرمنا الزميل بنثابت بمخزونه من الحليوات، وقنينات ماء. ثم انطلق كل منا إلى غرفته، بينما غادر البعض إلى مطار آخر، ومنه إلى مدينة سان بتيرسبورغ، حيث كان المنتخب الوطني سيخوض مباراته الأولى يوم بعد ذلك.
كنت أستعيد برنامج الغد الذي اتفقت عليه مع بعض الزملاء وأنا تحت "رشاشة" الحمام. كان ذلك ضروريا. فقد كانت لدينا مهمات محددة؛ الحصول على الاعتماد من ملعب لوجينيكي، وشراء تذكرتي سفر بالطائرة إلى كل من سان بتيرسبورغ وكالينينغراد، فضلا عن بطاقات هاتفية محلية. أما وقد انتهيت، وخرجت من الحمام، فقد صعقت وأنا أكتشف الشمس في كبد السماء. لم تكن الساعة جاوزت الثانية والنصف حينها. والتجأت، شأني شأن الباقين، حسبما عرفت لاحقا، إلى الستائر لأجل المكان مظلما تماما. ثم أرحت جسمي على سرير جميل. لم يكن النوم عميقا أبدا. كان عبارة عن غمضة عينين فقط. ثم بدأت رحلة البحث عن المونديال. ويا لها من رحلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوميات روسيا 1 يوميات روسيا 1



GMT 12:17 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 16:26 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"كاف إقامة أمم أفريقيا 2023 في الصيف

GMT 14:10 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المنع المتخذ في حق الجماهير الشرقية

GMT 09:10 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تذاكر "الديربي"..خطأ إدارة الوداد

GMT 12:20 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تكتيك الديربي مفاتيح القمة العربية

GMT 09:43 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

أناقة خبير الرياضيات فيلاني تتغلّب على أزياء ماكرون

GMT 02:38 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد عمور يُعلن خفض ديون "أليانس" للتطوير العقاري

GMT 07:01 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

تعرفي على اتيكيت التقديم وفنونه المختلفة

GMT 09:22 2017 السبت ,28 كانون الثاني / يناير

تعديلات مبهرة في سيارة لامبورغيني "Aventador S"

GMT 07:43 2015 الإثنين ,23 آذار/ مارس

أقراص الكوسا والجبن

GMT 00:05 2015 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تضيء أهرامات الجيزة بالعلمين الفرنسي والروسي

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:23 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

وفاة سائح فرنسي اصطدمت دراجته بحافلة في مراكش

GMT 05:57 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

اندلاع حريق بسوق المتلاشيات في أولاد تيمة

GMT 04:57 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلامية إيمان نبيل تبدي سعادتها بشباب مصر وفكرهم الواعي

GMT 13:48 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

دار "ماكس مارا" تُركّز على صيحة المعاطف الواسعة والضخمة

GMT 21:14 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

دانا فارس تطلق أغنية "تسلم" في "الكريسماس"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca