استدراج المتهم

الدار البيضاء اليوم  -

استدراج المتهم

بقلم - عامر حسن شنتة

يتطلب تحقق الجرائم العمدية توجيه الفاعل إرادته لارتكابها، وان تكون تلك الإرادة مدركة واعية. فإذا شابها خلل ما، عُد ذلك مانعاً من موانع المسؤولية التي لا تبيح مساءلة الفاعل جزائياً. ويصدف أحياناً قيام السلطات العامة والمؤسسات المعنية بمكافحة الجريمة باستدراج بعض المتهمين الخطرين، ونصب الكمائن لهم، وإلقاء القبض عليهم، لأنها بغير ذلك تواجه صعوبة كبيرة في ضبط مرتكبي بعض الجرائم الخطيرة كالرشوة والاتجار بالمخدرات والأسلحة وغير ذلك.

والاستدراج لغة هو حمل الشخص على أن يفعل شيئاً بالإغراء أو الحيلة. وإذا كان الاستدراج سُنة إلهية "... سنستدرجهم من حيث لايعلمون .وأُملي لهم إن كيدي متين" "الأعراف 182-183"، فأن الأمر في نطاق الفقه الجنائي ليس على ذلك النحو من التسليم، إذ يحتدم الجدل فيه حول مشروعية الدليل الناشئ عن عملية استدراج المتهم وقيمته القانونية في إثبات الجريمة. إذ يرى البعض، بأن لجوء السلطات العامة إلى هذا النوع من الإجراءات يجعلها مشوبة بعيب البطلان الذي يطال أعمال البحث والتحري وكافة الإجراءات المتخذة بناءً عليه.

ولا يمكن الركون إلى تلك الإجراءات في بناء حكم قانوني سليم. إذ أنها تمثل في رأيهم نوعاً من أنواع الإكراه على ارتكاب الجريمة الذي يسلب إرادة المتهم ولا يدع أمامه من سبيل سوى ارتكاب الجريمة بدفع من السلطات العامة. كما يعد مخالفة صريحة لمبدأ أصالة البراءة لعموم الناس وخروجاً عن واجب الدولة في الحرص على حسن تطبيق القانون ومنع ارتكاب الجريمة.

ويذهبون إلى وجوب مساءلة رجال السلطة العامة الذين حرضوا على ارتكاب الجريمة بوصف (التحريض) وسيلة من وسائل الاشتراك في الجريمة. وكما هو واضح فأن الأخذ بهذا الرأي على إطلاقه يؤدي إلى تضييق نطاق عمل السلطات المعنية بمكافحة الجريمة، ويجعلها مكتوفة الأيدي إزاء تلك الجرائم الخطيرة التي تهدد كيان المجتمع.

لذلك اتجه جانب آخر من الفقه إلى جواز اللجوء الى هذا النوع من الإجراءات في ضبط المتهمين. طالما ظل الأمر في إطار البحث عن الأدلة وكشفها ولم يصل إلى مرحلة خلقها. إذ أن استدراج المتهم لا يصل بأي حال من الأحوال إلى مرحلة الإكراه الذي يعدم الإرادة، بل يقتصر على إغراء المتهم على ارتكاب الجريمة، والذي كان عليه أن لا يستجيب لذلك. وهو ما يمثل في النهاية تجسيداً لقيام الدولة بواجبها المتمثل في ضبط الأمن وملاحقة المجرمين، وتماشياً مع التطور الكبير في وسائل ارتكاب الجرائم وصعوبة اكتشافها، خاصة ما يتعلق منها بجرائم الفساد المالي. شريطة أن تظل تلك الإجراءات في نطاق المشروعية الإجرائية الجنائية، بأن تتم عمليات المراقبة والتحريات والضبط من قبل أعضاء الضبط القضائي .استنادا لمهامهم المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية.

ويلاحظ في هذا الصدد إن قانون هيئة النزاهة، قد نص في المادة (3/سابعاً) منه، على صلاحية الهيئة للقيام بأي عمل يساهم في مكافحة الفساد أو الوقاية منه بشرط أن يكون ضرورياً وفاعلاً ومناسباً. كما نصت المادة(12) منه على إمكانية استعانة الهيئة بوسائل التقدم العلمي وأجهزة وآلات التحري والتحقيق وجمع الأدلة، الأمر الذي يبيح لها تنفيذ عمليات ضبط للمتهمين بقضايا الفساد المالي، على أن يكون كل ذلك تحت إشراف قضاة التحقيق. ومن خلال استقراء الوقائع التي تم ضبط المتهمين فيها بهذه الطريقة، نجد أنها أحدثت أثراً كبيراً في مختلف الدول التي تمت فيها ،وأطاحت بمسؤولين كبار، وعززت من ثقة المواطنين بقدرة أجهزة الدولة المعنية بمكافحة الجريمة، على ضرب المفسدين وتقديمهم للعدالة. ولابد من الإشارة أخيراً إلى أن تقدير قيمة الدليل الذي يتم الحصول عليه عن طريق استدراج المتهم يبقى خاضعاً لتقدير محكمة الموضوع، والذي تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها  ومدى كفايته لإدانة المتهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استدراج المتهم استدراج المتهم



GMT 09:13 2018 الجمعة ,16 آذار/ مارس

الفرار الى الله هو الحل

GMT 15:28 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

‏عام يمر بكل ما فيه وكثير من الأحلام مُعلقة

GMT 15:02 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

الوحدة الوطنية التي نريدها

GMT 07:50 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

نحو اتفاق عالمي جديد حول الهجرة

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca