الرئيسية » مراجعة كتب

الرباط - وكالات

في كتابه، الصادر يوم 7 مارس 2013 عن دار غاليمار، بعنوان «فلوبير»، يؤكّد المؤرخ الفرنسي ميشال فينوكْ الرأي الذي يقول إنّ المؤرّخ حين ينظر إلى الأدب يغني التحليل التاريخي ويعمّقه، من جهة، ويعمّق المقاربة الأدبية من خلال «العيْن» التاريخية والسياسية والاجْتماعية التي ينظر من خلالها للخطاب. بعد تخْصيصه لدراسات هامّة وعميقة عنْ كلّ من فيكتور هيجو ومادامْ دُو ستايْل يعود المؤّرخ فينوكْ إلى الرّوائيّ الفرنسيّ جوستافْ فلوبير في سياق القرن التاسع، والسّياق الفكري والثقافيّ الذي تحكّم في كتابات كلّ من «مدامْ بوفاري» و»سالامبو» و»التربية العاطفيّة». وعلى الرغم من أنّ مختلف روايات فلوبير قد تناولها الدارسون والنقاد بالتحليل والمتابعة، وخُصوصا خلال القرن العشرين، وقلّما تناولها بالتحليل أهْل التاريخ.ومن ثمّ، فإنّ فينوكْ، في حوالي 500 صفحة، منطلقا من سؤال مركزيّ هو: هل كان فلوبير رجل عصره؟ ليس لكونه وُلد في سنة 1821، ولكنْ المقصود ذلك الانتماء الاجتماعي والسياسي والتاريخي بالمعنى العميق للقرن التاسع عشر. ويفسّر الكاتب ذلك بكوْن فلوبير رأى النور في ظلّ حكْم لويس الثامن عشر، وتوفّي تحت حكم جيلْ غريفي، وعاصر صراع الملكية والجمهورية، والصراعات الدولية والثورة الصناعية الخ. ولإعطاء مبررات ونتائج تحليله التاريخي، سيتّخذ الكاتب من رواية «مدامْ بوفاري»، و»رسائل فلوبير» خزّانا دالاّ على كلّ التحوّلات التاريخية والسياسية التي تفاعل معها فلوبير سلبا وإيجابا إلى حدّ التناقض أحيانا، أو على الأقلّ مراجعة مواقفه. والنتيجة هي تقديم مقاربة شاملة لفلوبير الإنسان والأديب المبدع. كما يحلل الكاتب «الجانب الشخصي» عند فلوبير، الذي خرج على ما كانتْ خططته له عائلته البورجوازية لكي ينخرط في مسار جعل منه «أبله العائلة»، على حدّ تعبير جانْ بول سارتر، أيْ جعل منه كاتبا عبقريّا. وفي هذا الصدد يبين المؤلف كيْف أنّ غوستاف فلوبير، وهو ابن طبيب جرّاح شهير، تنكّر لذلك الإرث و»خان» طبقته، مبتعدا عن نمط العيش البرجوازي. ولا يتردد الكاتب في القول إنّ فلوبير عانى في سنوات شبابه الأولى، من أزمة عصبية قويّة، بسبب التناقضات ومختلف أشكال الضغط التي مارستها عليه أسرته. بلْ لقدْ وصل الأمر بأسرته إلى أنْ شكّت في قدراته العقلية، كما يشير المؤلف. غير أنها لمْ تضغط عليه. وهو ما أكّده غوستاف فلوبير لاحقا، أنه كان يحب أسرته كثيرا، لكنه كان في المقابل، لا يريد إطاعة أوامرها والخضوع لرغباتها. وفي ربْط مثير وناجح، يبيّن فينوكْ علاقة الكتابة بالهجرة، بالمعنييْن الاستعاري والحقيقي. اختيار فلوبير للكتابة جعله دائم الترحال بين الأساليب، ومن هنا بالضبط تعتبره مختلف كتب تاريخ الأدب بمثابة «عبقرية في الأسلوب»، وأنه «تخلّى عن حياته من أجل الكتابة، وأنه كان شديد الإخلاص للفنّ. أما ما يتعلق بالهجرة الحقيقية، فإن فلوبير قام برحلة كبيرة إلى الشرق، إلى جانب أسفاره إلى منطقة «لابْروطانْ» الفرنسية أو إلى انجلترا أو إلى جزيرة كورسيكا. ربّما لهذا السبب كانَ فلوبير يردّد عبارة «أنْ يكتبَ المرء معناه أنْ يسيطرعلى العالَم». كان فلوبير، كما يصفه المؤلف، ميّالا لحياة العزلة، لكنه كان يحبّ في الوقت نفسه، جعل الصحراء زاخرة بالسكان عبر إبداعه. وبقدر ما كانَ يبحث عن الألوان في رحلته المشرقية، بقدر ما كان يعود ليستكين إلى جوار والدته، ويكتب ويراسل وينقّح. وينتهي المؤلف إلى القول بأنّ فلوبير بقي طيلة حياته، مثل فرنسا نفسها، تأكله التناقضات. كانت فرنسا تبحث عن نفسها بين نماذج الجمهورية والإمبراطورية والمَلَكية. وكانت حياة فلوبير تخضع لذلك القانون العام، حيث واجه التاريخ من موقع الفنان عندما شعر أنّ الحمقى لا يلعبون الدور الحاسم في الحياة الاجتماعية، ولكن أيضا في الحياة الفكرية.

View on casablancatoday.com

أخبار ذات صلة

"الأسلحة النووية" لا تزال تهدد العالم في القرن الـ…
"الدّولة وتدبير الحراك" كتاب جديد للدّكتور المغربي محمّد الغلبزوري
"المسغبة" ملحمة سردية لـ ثائر الناشف عن فواجع الحرب…
صدور رواية "سماء قريبة من الأرض" عن الحرب والمقاومة…
صدور رواية "جنة الأكاذيب" وديوان "زئبق وفضة" للكاتب خالد…

اخر الاخبار

"الحرس الثوري الإيراني" يعيد انتشار فصائل موالية غرب العراق
الحكومة المغربية تُعلن أن مساهمة الموظفين في صندوق تدبير…
روسيا تُجدد موقف موسكو من الصحراء المغربية
الأمم المتحدة تؤكد دعمها للعملية السياسية لحل نزاع الصحراء

فن وموسيقى

أشرف عبد الباقي يتحدث عن كواليس "جولة أخيرة" ويؤكد…
وفاة الفنانة خديجة البيضاوية أيقونة فن "العيطة" الشعبي في…
كارول سماحة فَخُورة بأداء شخصية الشحرورة وتستعد لمهرجان الموسيقى…
شيرين عبد الوهاب فخورة بمشوارها الفني خلال الـ 20…

أخبار النجوم

أمير كرارة يحافظ على تواجده للعام العاشر على التوالى
أحمد السقا يلتقي جمهوره في الدورة الـ 41 من…
أنغام تستعد لطرح أغنيتين جديدتين بالتعاون مع إكرم حسني
إصابة شيرين عبدالوهاب بقطع في الرباط الصليبي

رياضة

أشرف حكيمي يوجه رسالة للمغاربة بعد الزلزال المدّمر
الإصابة تٌبعد المغربي أشرف بن شرقي عن اللعب مع…
المغربي حمد الله يقُود إتحاد جدة السعودي للتعادل مع…
كلوب يبرر استبدال محمد صلاح في هزيمة ليفربول

صحة وتغذية

فوائد صحية مذهلة مرتبطة بالقلب والمناعة للأطعمة ذات اللون…
النظام الغذائي الأطلسي يخفف من دهون البطن ويحسن الكوليسترول
بريطانيون يطورُون جهازًا جديدًا للكشف المبكر عن أمراض اللثة
اكتشاف مركب كيميائي يساعد على استعادة الرؤية مجددًا

الأخبار الأكثر قراءة