الدارالبيضاء - أسماء عمري
أكَّد نائب رئيس نادي قضاة المغرب، القاضي محمد عنبر، في حديث إلى "المغرب اليوم"، أن "وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، لا يريد إصلاح العدالة، بل يريد الدفاع عن المصالح الضيقة لحزبه "العدالة والتنمية"، والمحيطين به، الذين كانوا مستفيدين من الوضعية المزرية للقضاء، ويريدونه أن يظل مثل ما هو عليه للاستفادة من ضعفه، المتمثل في عدم القدرة على استدعاء أي شخص كيف ما كان نوعه، وهو ما ثبت بالبرهان أكثر من مرة"، حسب تعبيره.
وبخصوص المتابعات التأديبية في حق عدد من القضاة، بسبب تعبيرهم عن آرائهم في مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبر القاضي عنبر، أن "إستراتيجية وزير العدل في تلك الخصوص استمدها من دعم رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، حيث أصبح يستعمل سلطته تعسفيًّا من خلال متابعة القضاة، إلا أن واجب التحفظ الذي جاء به الدستور، ومن سيطبقه، هي السلطة القضائية، وهو ليس فيها عضو، وبالتالي لا يجب أن يتكلم على واجب التحفظ؛ لأنه عضو في السلطة التنفيذية"، مشيرًا إلى أن "مسلسل الرميد لإسكات أصوات القضاة بدأ ينجح، وأن تعسفه كان بضوء أخضر من بنكيران".
ونفى عنبر، "حصوله على أي استدعاء رسمي من قِبل الرئيس الأول لمحكمة النقض للمثول أمام المجلس الأعلى للقضاء، كما سبق وأن أعلنت ذلك وزارة العدل، بسبب إخلال مهني بناءً على خرق واجب التحفظ، على خلفية قيامه بعقد اجتماع مع قاضي الاتصال الفرنسي، ومسؤولين في السفارة الفرنسية، مخالفًا بذلك قرار تعليق اتفاقات التعاون القضائي بين البلدين، من غير أن يكون مُخوَّلًا بذلك".
وعن إدلائه بتصريحات علنية، عقب اجتماعه مع قاضي فرنسي، تتناقض مع الموقف الرسمي للمغرب، والاعتبارات التي دفعته إلى اتخاذ قرار تعليق اتفاقات التعاون القضائي بين البلدين، أكَّد القاضي عنبر، أنه "لم يدلِ بأية تصريحات بل قام بنشر ما دار بينه وبين قاضي التحقيق الفرنسي في الاجتماع في الموقع الاجتماعي الـ"فيسبوك" حيث فضح، حسب تعبيره، مخالفات وزير العدل مصطفى الرميد، في إيقاف الاتفاقات الدولية القضائية التي خرق فيها القانون، وتلاعب وعرقل العدالة المغربية، وذلك بعد اقتناعه بالمعطيات التي قدَّمها له القاضي الفرنسي، حيث اكتشف أنها مطابقة للقانون، ولم يتردد في نشرها عبر الـ"الفيسبوك""، مبرزًا أن "الفرنسيين لما استدعوه كانوا يعلمون أنه سيقوم بنشر ذلك".
وأضاف عنبر، أن "وزير العدل كما ارتكب مخالفات في أسبانيا في قضية مغتصب الأطفال غالفان دانيال، اليوم يقوم بمخالفات مع فرنسا، في ما عرف بقضية مدير المخابرات المغربية، عبداللطيف الحموشي"، موضحًا أن "الفرنسيين لم يقوموا بأكثر من تنفيذ الاتفاق الدولي لمناهضة التعذيب؛ لأنهم يضعون المواطن فوق كل اعتبار".
واعتبر القاضي عنبر، أن "وزير العدل مصطفى الرميد، وحزبه "العدالة والتنمية"، يحاولون تهديد النخبة المثقفة القانونية عبر عدد من القرارات"، موضحًا "توفر مبادئ دولية في القانون الدولي تفيد بأن الدولة لا تسلم رعاياها لأي دولة، وخير مثال على ذلك، هو ليبيا، التي رفضت تسليم رعاياها في قضية "لوكيربي"، إلى أن وقع عليها ضغط اقتصادي ورغم ذلك سلمتهم وفق شروط، منها ضمان محاكمتهم وعودتهم إلى أرض الوطن".
وأوضح، أن "الرميد ترك مغتصب الأطفال في المغرب الأسباني دانيل، يذهب إلى أسبانيا ليتقدم بعد ذلك بطلب للسلطات القضائية الأسبانية لتسليمه لهم مع علمهم أن أسبانيا لن تسلمه، حيث إن الطلب الذي تقدم به المغرب ممكن أن يعتبر طلب هواة لا يفقهون في القانون شيئًا، إذ طلبوا من السلطات الأسبانية أما أن تسلم دانيل للمغرب، أو أن يكمل فترة عقوبته في أسبانيا أو إعادة محاكمته بالتهم الموجهة له في المغرب، حيث إن السلطات الأسبانية رفضت تسليمه، وقالت؛ إنه سيكمل مدته السجنية في أسبانيا، إلا أن وزارة العدل المغربية خرجت في وسائل الإعلام، وقالت؛ أن أسبانيا استجابة لطلب المغرب، وهو ما ينافي الواقع، ويبين كذلك أنهم يستبلدون المواطنين إذ يعتبرون أنفسهم هم من يفقه في القانون".
وتابع عنبر، أنه "بعد ذلك ظهرت قضية عبداللطيف الحموشي، حيث إن السلطات القضائية الفرنسية لديها اتفاق لمناهضة التعذيب، صادق عليها المغرب كذلك، وجميع دول العالم، إذ وضع مواطنون مغاربة شكوى في فرنسا ضد مدير المخابرات المغربية، عبداللطيف الحموشي، يتهمونه فيها بممارسة التعذيب عليهم، إذ وجب بعدها على القضاء الفرنسي أن يستدعي الحموشي لتوفر شروط عدة؛ أولها، أن الشكوى صادرة من مواطنين مغاربة، وأن التعذيب مورس عليه في المغرب، حسب اتهاماتهم، وثالثًا أن المسؤول ينتمي إلى ذات البلد، وبناءً على هذه الشروط، يوجه قاضي التحقيق الاستدعاء حيث إن هناك في المسطرة الجنائية المغربية فصل مماثل أخذ عن فرنسا، والذي يمنح لقاضي التحقيق أو النيابة العامة إمكانية القيام بإنابة قضائية لدول أخرى وتبلغها عن طريق وزير العدل، وإذا كانت في حالة الاستعجال القصوى فتُوجَّه إلى الجهة المُكلَّفة بالتنفيذ، وهي السفارات والقنصليات لذلك البلد، وفي حالة الحموشي، علموا أنه موجود في فرنسا، فتم ساعتها إرسال استدعاء للسفارة للاستماع له كشاهد لأن الشروط متوفرة, ولديهم هناك القضاء ليس مثل المغرب لأن الشرطة إن لم تنفذ أمر لقاضي التحقيق فإن ذلك يدخل في إطار عرقل التحقيق ويعتقل رئيس الشرطة القضائية أو المأمور الذي لم يبلغ الاستدعاء".
وأبرز القاضي، أن "الحكومة الفرنسية لم تنتقد القضاء الفرنسي، بل قالت أن هي من أخطأت في الإجراءات الدبلوماسية، إذ أن المغرب يعتقد أن قضائه مثل فرنسا، وقاضي التحقيق الفرنسي الذي التقيته أكد أنه لم يتجاوز حدود تطبيق القانون من خلال اتفاق مناهضة التعذيب، وأكد أن فرنسا لم توقف الاتفاق، بل المغرب من قام بذلك".
وكشف عنبر، أنه "كانت هناك طلبات لتسليم مواطنين مغاربة مبحوث عليهم في المغرب تقدمت بها وزارة العدل، وبعدها استجابة محكمة النقض الفرنسية، حيث احتفظت بهم لتسليمهم إلى المغرب، إلا أن هناك أجلًا معينًا، إن لم يتسلم المغرب خلاله الموقفين يطلق سراحهم، وهو ما وقع لأن السلطات الفرنسية إن لم تقم بإطلاق سراحهم فإن ذلك سيسمى اعتقال تعسفي".
ولفت القاضي، إلى أن "وقتها أعلن الرميد وبقرار شخصي إيقاف الاتفاق، مع أنه لا يوجد هناك أي نص قانوني يقضي بإيقافه، بل هناك إشعار للطرف الآخر إذا كان هناك أي خلل، ويعطى أجل طويل، حتى يحل المشكل دبلوماسيًّا، إذ أنه من أثار توقيف الاتفاق هو خوف وهلع الأسر الفرنسية المتواجد أبنائها في السجون المغربية، من أن لا تقوم وزارة العدل المغربية بتنفيذ طلبات أولئك الفرنسيين الراغبين في ترحيلهم إلى فرنسا، بالرغم من أنهم يتوفرون على الشروط الضرورية من قبيل قضاء مدة معينة في المغرب، وأن يقبل بلدهم تسلمهم وغير ذلك من الشروط، مادام هناك وقف لاتفاق التعاون القضائي بصفة فردية من طرف وزير العدل، وهو ما ترتب عنه، أخيرًا، إضراب عدد منهم ليتم حل ملفهم بتدخل ملكي".
وأشار عنبر، إلى أن "القائمين على وزارة العدل لا يهم ذهابهم إلى السفارة الفرنسية ولقائهم بقضاة فرنسيين، بل إنهم بدءوا حسب رأيه يختلقون صراعات هامشية لصرف النظر عن الموضوع الذي هو وقف الاتفاق بصفة تعسفية من طرف الوزير، وهذا ما سيؤدي إلى عرقلة العدالة ليس في المغرب فقط، وإنما في البلدين، كما سيعطل مصالح الموطنين الذين يستفيدون من العدالة الفرنسية والمغربية، وذلك من أجل شخص واحد تم استدعاؤه، إذ أن هذا الأمر لم يقم به مع وزير الخارجية الذي يمثل السيادة المغربية، والذي تعرض لسوء المعاملة في مطار في باريس"، معتبرًا أنهم "بتلك التصرفات يمرغون العدالة المغربية في التراب".
وعن اختيار القاضي الفرنسي مناقشته في هذا الموضوع، دون القضاة المغاربة الآخرين، قال عنبر، أن "سفارة فرنسا لم تستدعيه صدفة حيث أن هناك 4000 قاضي، ورئيس محكمة النقض، والوكيل العام، إلا أنه يعلم أنه إذا اكتشف أية مخالفات سيقوم بفضحها، ولن يسكت، وهو بالفعل ما وقع حيث فضح وزير العدل، وأظهرت من خلال ذلك أن الرميد لا يرمي إلى إصلاح العدالة في المغرب، بل الدفاع عن الناس الذين يتعسفون على حريات المواطنين وحقوقهم".