الرباط- علي عبداللطيف
اعتبر البرلماني ودكتور القانون والعلوم الإدارية والمالية العامة في المغرب، عبداللطيف بروحو، أنَّ قرار المجلس الدستوري الأخير رقم 950-14 الصادر بتاريخ 23 كانون الأول/ ديسمبر 2014، والمتعلق بفحص مدى مطابقة القانون التنظيمي لقانون المال للدستور المغربي الجديد، يعتبر قرارًا غريبًا ومفاجئًا من حيث بعض مضامينه وخلاصاته، وبشأن المستنتجات الرئيسية التي جاءت في تصريحه النهائي.
وأكد بروحو، خلال مقابلة مع "المغرب اليوم"، أنَّ المجلس الدستوري الذي يمارس مهام المحكمة الدستورية المنصوص عليها في الدستور الجديد لحين تنصيبها، تتناقض مع جزئيًا مع مواقفه بعد رفضه لطعن المعارضة في قانون المال 2014.
وذكر البرلماني إنَّ قرار المجلس الدستوري "أعاد الغموض والتعقيدات على المسطرة التشريعية، بمناسبة إصداره لقراره بشأن مدى مطابقة القانون التنظيمي للمالية للدستور".
وبيّن بروحو أنَّ هذا الغموض يتمثل في مآل القانون التنظيمي للمال، معتبرًا أنَّ قرار المجلس الدستوري موضوع هذه الدراسة لم تقتصر تناقضاته على مضامينه وحيثياته المرتبطة بالمسطرة التشريعية، ومدى احترامه هو نفسه للدستور، وإنما تعدى ذلك ليشمل خلاصات قراره ومآل القانون التنظيمي لقانون المال موضوع البت في المطابقة للدستور.
وقال إنه للمرة الأولى في تاريخ المجلس الدستوري نجده يبت في عدم مطابقة مسطرة التصويت للدستور وليس مطابقة المواد للدستور، وهو إشكال يحتاج لدراسة وتمحيص كبيرين من الأكاديميين والمحللين القانونيين.
وأكد أنَّ الفصل 132 من الدستور يعطي هذا المجلس صراحة اختصاص البت في مطابقة القوانين التنظيمية للدستور، وليس البت في دستورية مسطرة التصويت التي تعتبر إجراءً شكليًا مستقلاً عن النص في حد ذاته وتخضع في تفاصيلها للنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان.
وبيّن بروحو أنَّ "القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية نفسه ينظم اختصاصاتها ولا يتضمن أيّة إشارة للبت في دستورية مساطر التصويت، وهو ما يجعل قرار المجلس الدستوري مخالفًا على هذا المستوى للدستور نفسه الذي ينص في الفقرة الأولى من الفصل 132 على أنَّ ممارسة الاختصاص محددة حصريًا بنص الدستور والقانون التنظيمي المنظم للمحكمة الدستورية".
وأبرز أنَّ "الخلاصة الواردة في قرار المجلس الدستوري قد ترتب نتائج غامضة، على اعتبار أنَّ القرار يؤكد على عدم دستورية مسطرة التصويت على أربعة مواد من القانون التنظيمي للمالية الجديد ولم يقل أنَّ هذه المواد مخالفة للدستور، وبالتالي يمكن القول بأنه اعتبرها ضمنيًا مطابقة للدستور".
وأضاف بروحو أنه "في المقابل لم يتضمن قراره هذا مآل هذه المواد بعد تصريحه بعدم مطابقة التصويت عليها للدستور"، وتساءل: "هل يتوجب هنا استكمال مسطرة التصويت التي تعتبر إشكالاً في حد ذاته، أم يتعين إعادة المسطرة التشريعية بشأن هذه المواد من أولها عبر التداول في المجلسين الحكومي والوزاري ثم الإيداع في مجلس النواب والمناقشة والتصويت ثم الإحالة على مجلس المستشارين".
وزاد بروحو: "قرار المجلس الدستوري لم يتضمن أيّة إشارة لمآل القانون التنظيمي برمته بعد التصريح بعدم دستورية التصويت على بعض مواده وعلى مخالفة فقرات من مواد اخرى للدستور"، مشددًا على هذا الأمر وأنه يشكل تناقضًا مع مقتضيات المادة 27 والفرع الثاني برمته من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية".
وتابع بروحو منتقدًا قرار المجلس الدستوري أنه "كان يتعين أنَّ ينص القرار صراحة إما إلى فصل المواد أو الفقرات المخالفة للدستور مع نشر القانون التنظيمي وتطبيقه، مثلما كان الحال مع القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية سابقًا، أو يدعو صراحة إلى ترتيب الآثار القانون عن عدم مطابقة المواد للدستور وبالتالي إعادة المسطرة التشريعية بخصوصها، مثلما تم مع القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي".
وأعاد ذات البرلماني التشديد على أنَّ قرار المجلس الدستوري أعاد الغموض للمسطرة التشريعية بين مجلسي البرلمان وزاد تعقيداتها، وتناقض مع قراراته السابقة، وترك القانون التنظيمي للمالية معلقًا، ووضع الحكومة في ورطة البحث في اجتهاد قانوني ودستوري لمعالجة آثار هذا القرار، لاسيما على مستوى عدم دستورية التصويت على بعض مواده".
وذكر المتخصص في القانون "ما تضمنه قرار المجلس الدستوري مناقض لروح ومضمون الفصل 84 من الدستور الحالي، وتأكيده على ضرورة إعادة بعض المواد لمجلس المستشارين لكي يبت فيها من خلال قراءة ثانية أو ثالثة أو أكثر كما يستفاد من مضمون القرار، يعتبر رجوعًا لأحكام دستور 1996، المنتهي، ويعد تعقيدًا إضافيًا للمسطرة التشريعية بشكل مخالف للدستور الحالي نفسه".
وأفاد بروحو بأنَّ قرار المجلس الدستوري لم يلتفت لمقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، والذين يفصلان أحكام الدستور، وقد صرح هو نفسه بمطابقة موادهما وأحكامها للدستور خلال قرارات سابقة".
وأكد البرلماني بروحو أنَّ النظام الداخلي لمجلس النواب لا يسمح بإعادة أي نص لمجلس المستشارين من أجل القراءة الثانية، وينص صراحة على البت والتصويت النهائي على جميع مشاريع ومقترحات القوانين العادية والتنظيمية حتى ولو كانت مودعة بالأسبقية لدى مجلس المستشارين.
وتابع: "أما النظام الداخلي لمجلس المستشارين فيفسح المجال لإمكانية واحدة تتعلق بحقة في طلب القراءة الثانية في مشاريع ومقترحات القوانين العادية المودعة لديه بالأسبقية، وهو استثناء واضح من صيغته وبت المجلس الدستوري نفسه بمطابقته للدستور، أما مشاريع القوانين التنظيمية المودعة بالأسبقية لديه، فلم يسمح نظامه الداخلي بتطبيق هذه المسطرة، وبالتالي يعتبر الحديث عن إعادة مشروع القانون التنظيمي للمالية لمجلس المستشارين غير ذي موضوع، فضلاً عن أنه مودع بالأسبقية لدى مجلس النواب مثل باقي مشاريع القوانين التنظيمية طبقًا لأحكام الفصل 85 من الدستور".
وبيّن أنه "هنا يبدو بجلاء تناقض المجلس الدستوري مع صريح أحكام الفصل 84 من الدستور الذي ألغى القراءة الثانية لدى مجلس المستشارين وألغى اللجنة المختلطة ومنح مجلس النواب حق البت والتصويت النهائي، وقراره تناقض أيضًا مع مقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي النواب والمستشارين وهو من بت سابقًا بمطابقتهما للدستور وبالتالي اكتسابهما للقوة والحجية القانونية".
وأضاف بروحو أنَّ التفسير الذي قدمه المجلس الدستوري للفصل 84 من الدستور الذي يتحدث عن موضوع مطابقة القرارات المالية للدستور لم يتضمن توضيحًا للغموض الذي يلف مقتضياته، لاسيما بعد تغيير المسطرة التشريعية التي تضمنها دستور 1996، بل إنَّ قراره زاد هذا الفصل غموضًا آخر على مستوى العلاقة بين مجلس النواب ومجلس المستشارين، وكذا على مستوى المسطرة التشريعية وحدود حق التعديل المخول للحكومة خلال القراءة الثانية في مجلس النواب، كما أنه لم يفسر معنى التداول البرلماني ولم يضع له أيّة حدود واضحة.
وأبرز عبداللطيف بروحو أنَّ قرارات المجلس الدستوري نهائية وغير قابلة للطعن فيها من أيّة جهة كانت، لكنه استدرك أنَّ الأمر لا يمنع مناقشتها علميًا وأكاديميًا ودراسة مضامينها وحيثياتها، لاسيما وأنها تعبر عن شكل تطبيق الدستور نفسه وتؤسس للممارسات الدستورية التي تكون في العادة أخطر من النص الدستوري نفسه.