الدوحه ـ المغرب اليوم
أكد سعادة السيد جان مارك آيرولت وزير الخارجية والتعاون الدولي الفرنسي بالجمهورية الفرنسية، أن استقرار منطقة الشرق الأوسط وتحقيق السلام والأمن لن يتم إلا عبر حل عادل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة أن الوضع الحالي يتدهور يوميا، والاستيطان يستمر، في ظل غياب لأفق الحل السياسي، مما يغذي الإحباط، وينذر بدفن حل إقامة الدولتين.
وشدد سعادة وزير الخارجية الفرنسي في كلمة له أمام أعمال مؤتمر السياسات العالمية التاسع الذي تنظمه وزارة الخارجية القطرية بالتعاون مع المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، على استمرار الجهود لتنفيذ حل الدولتين، ليس بشكل أحادي، بل بعزم قوي، مؤكدا أهمية السير في طريق السلام وعلى قوة الحوار والتفاوض والمصالحة لمواجهة كل ما يقابل العالم من تحديات. وأوضح أن عصر القوى العظمى انتهى إلى غير رجعة ولم يعد ممكنا عودته مرة أخرى فالزمن لا يعود إلى الوراء، ولا يمكن لأي قوة عظمى أن تحول بلادنا إلى ملعب لها، ولا يمكن لها أن ترسم الحدود على هواها، ولا ننتظر اتفاق "سايكس بيكو" جديد لفرض واقع على العالم العربي. وأوضح أن "أوروبا مرتبطة بالعالم العربي، وعلاقات فرنسا متعددة الأوجه، لا يمكن اختزالها بالجوانب الاقتصادية فقط، وتنظيم "داعش" يريد أن يحول فرنسا إلى عدو للعالم الإسلامي، وهو خطاب يدعو للتفرقة، ويجرنا إلى درب الصراع بين الحضارات". وشدد على ضرورة بناء شراكة بين الشرق والغرب وعلى فرنسا والعالم العربي توجيه هذه الشراكة مستقبلا من خلال الاستثمار في الشباب والثقافة والعلم فالعالم العربي لا تنقصه الإمكانات والطموح والإبداع وحين يريدون فإنهم قادرون على التنفيذ واستشهد على ذلك بالاستراتيجية الوطنية لدولة قطر 2030 وكذلك الرؤية الوطنية للمملكة العربية السعودية وما حققته دول الخليج بشكل عام وما تقوم به من مشروعات مستدامة تعتمد على أحدث التكنولوجيات وتحافظ على البيئة. وأعلن آيرولت استعداد بلاده لتقديم كل أنواع المساعدة للدول العربية والإسلامية في جميع المجالات سواء البنية التحتية أو العلوم التكنولوجية أو المشروعات القومية التي تصب جميعها في خدمة البشرية وتحقق التقدم والازدهار للشعوب العربية والإسلامية. كما شدد على ضرورة مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه العالم ومنها الأمن الجماعي والتنمية المستدامة والهجرة غير الشرعية واللجوء عن طريق تعزيز العمل الجماعي وتفادي المغامرة بالعمل الأحادي، منوها بأن القطيعة مع القانون الدولي وصعود الوطنية المفرطة قد تؤدي لصدمات مدمرة. وحث الولايات المتحدة على تفادي "المغامرة الانعزالية" في أعقاب انتخاب الرئيس الجمهوري دونالد ترامب قائلا: "نحن بحاجة إلى شريك أمريكي منفتح على العالم، منخرط بشكل كامل، يستخدم بطاقة التعاون مع حلفائه، ويعتمد تعددية التحرك في "الرد على التحديات الدولية"، ومنها مكافحة الإرهاب والتغير المناخي وموجات الهجرة غير الشرعية والتنمية المستدامة. وأضاف أن "بلاده ستتعاون مع إدارة ترامب لأن الولايات المتحدة بلد صديق لفرنسا ولأن تعاوننا لا غنى عنه"، لافتا إلى أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند شرع في التحاور مع ترامب بعيد انتخابه، سعيا لتوضيح "الشكوك التي تسببت بها حملة انتخابية مثيرة للجدل، ورغم بعض الاختلافات في الرأي فإن ترامب عبر عن إرادته للعمل مع فرنسا في حديثه مع هولاند". وأوضح أن تفشي ظاهرة الإرهاب رغم أنها تضرب جميع البلدان في كل القارات إلا أن العالم العربي يدفع الثمن الأكبر سواء من حيث عدد الضحايا أو ما يبذله في مواجهة "داعش"، مشيرا إلى أن الإرهاب تهديد عالمي ويجب أن تكون مواجهته عالمية عن طريق تضافر الجهود العربية والأوروبية وتعزيز التعاون مع الإدارة الأمريكية لمواجهة هذا الخطر، مؤكدا في الوقت نفسه أنه لا تعارض أبدا بين حقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب. وحذر سعادة وزير الخارجية الفرنسي مما وصفه بـ "التوترات التي تعصف بالمنطقة، والمآسي التي تعصف بليبيا واليمن والعراق، والفوارق بين الإسلام السني والشيعي، الذي يريد المتطرفون تحويله إلى قطيعة نهائية". وأشار إلى أن فرنسا عضو دائم بمجلس الأمن وتتحمل مسؤولياتها على أساس ألا تناقض بين مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان، لافتا إلى "فرنسا مع عالمية حقوق الإنسان، ومكافحة التمييز، والترويج للحقوق الاجتماعية والإنسانية، وهي أفضل الأسلحة لمواجهة الإيديولوجية المميتة والظلامية لـ "داعش" و "بوكو حرام" وغيرهما". واعتبر أنه لا يمكن حل الأزمات في سوريا وليبيا والعراق ومكافحة تنظيم "داعش" بالحل العسكري فقط، داعيا إلى إيجاد حل سياسي بالمفاوضات والحوار والدبلوماسية ومواجهة الأفكار، للخروج من النفق المسدود. وأضاف أن "الأراضي المحررة من "داعش" يجب أن تكون مثالا للتعددية وممارسة الحريات، والأقليات يمكن أن تعيش معا في شرق أوسط يعيش في سلام، وإدارة ما بعد "داعش" يجب أن تسمح باجتثاث العنف من جذوره". من جانبه، أكد تييري دي مونبريال مؤسس ورئيس مؤتمر السياسات العالمية أن هذا المؤتمر يعد بادرة أمل ومناسبة هامة للترويج لعالم الحوار وتبادل الرؤى والأفكار، تطلق من الدوحة، مشيرا إلى أن الحرب مازالت مستعرة في سوريا والعراق ومن غير المحتمل استعادة السلام في الشرق الأوسط في ظل الخلافات بين القوى الرئيسية. وأوضح أن المؤتمر ينعقد بعد أيام من انتهاء الانتخابات الأمريكية حيث جاءت نتائجها مفاجئة للأمريكيين أنفسهم وللعالم أجمع، منوها بأن الأمريكيين استطاعوا تقبل الأمر بسبب تمسكهم بدستورهم والتفافهم حول بلادهم لانتظار ما ستسفر عنه السنوات المقبلة. ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبي اهتز بسبب أزمة اللاجئين وخروج بريطانيا منه، إضافة إلى شبح الإرهاب الموجود في كثير من مناطقه ما يحتم على دوله اعتماد الحكم الرشيد إقليميا ودوليا وكذلك تطبيق الديمقراطية الليبرالية التي أتت بالكثير من المنافع حول العالم وكان الصينيون أول وأفضل من استفادوا منها. وأشار مؤسس ورئيس مؤتمر السياسات العالمية إلى أن انتشار الغضب ضد اللامساواة وتردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد ورفض النخب والتفتت الاجتماعي وازدياد الهجرة غير المشروعة وتفشي ظاهرة اللجوء من الأسباب الأساسية لتفجر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والاضطرابات في غيره من دول العالم، مشددا على أن سبل الخروج من هذه الأزمات هو مقاومة صعود القوميات ورفض الآخر، وضرورة وضع سياسات تعويضية، إضافة إلى الترابط واستعمال الموجات التكنولوجية والإلكترونية استعمالا جيدا لتأمين الاستقرار الهيكلي الدولي بمجمله وتخطي التحديات معتمدين في ذلك على العمل سويا باحترام متبادل. من جهته، تحدث سعادة السيد أحمد داود أوغلو رئيس وزراء الجمهورية التركية السابق ضيف شرف المؤتمر عن الحوكمة الدولية وضرورة فهم المسارات الحالية والمستقبلية متسائلا: هل يتجه العالم إلى حوكمة دولية أم إلى فوضى هدامة؟ وأوضح أن مصادر القلق التي تنتاب العالم ترجع إلى عدم قابلية توقع المستقبل فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بالأوضاع العالمية أو الإقليمية العام المقبل مثلا لأن هناك العديد من الكوارث التي ينتظرها العالم ويشهدها كل يوم. وأشار أوغلو إلى أهمية الحوار بين الدول وبين الأفراد وبعضهم البعض في ظل تركيز كل دولة على مصالحها الشخصية دون التركيز على القيم والمبادئ. وشدد في حديثه عن مدينة حلب السورية والكارثة التي تعيشها، على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية للجميع دون النظر إلى العرقيات أو التمييز على أساس اللون أو الدين أو العرق، واحترام القانون الدولي الإنساني حول جرائم الحرب مهما اختلفت المصالح والرؤى. وأكد أن غياب الحوكمة مبني على ثلاثة أركان أساسية هي تفشي التطرف والإقصاء وغياب الحوار بين اللاعبين الدوليين وأن الحل يكمن في التركيز على الدمج وتعزيز الحوار والإيمان بأن المستقبل مشترك، إضافة إلى إصلاح السياسات ووضع نظام اقتصادي يعتمد على المشاركة والفهم المتبادل والحوار الشفاف وذلك كله يضمن تعزيز الحوكمة الدولية بدلا من المصالح الخاصة الضيقة. يذكر أن المؤتمر سيناقش على مدار الثلاثة أيام مستقبل الشرق الأوسط في ظل تمتع المنطقة بالموارد البشرية والطبيعية، والأخلاقيات والتحول التكنولوجي وعلاقات الحكومات وأصحاب العمل ودور تركيا وعلاقاتها بالاتحاد الأوروبي والقوى العالمية، لاسيما الولايات المتحدة وروسيا، وموقفها من بعض القضايا كاللاجئين والإرهاب والصحة والتطور التكنولوجي والحوكمة الدولية وكيفية منع ومكافحة الأوبئة، وتحسين التعاون الصحي بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية والتحول التكنولوجي والعقد الاجتماعي الجديد، والمملكة المتحدة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي لاسيما من الناحية السياسية والاقتصادية والأمن والتطور الاقتصادي في إفريقيا، والاتحاد الأوروبي ماذا بعد أزمة اللاجئين وضعف أوروبا على الصعيد الأمني وعدم وجود سياسة متماسكة بشأن الهجرة واللاجئين، والعيوب التي يتسم بها تنفيذ اتفاق الشنغن، ومرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية، ومكافحة الإرهاب والاستقرار السياسي والاقتصادي في شرق آسيا، والتحديات الأساسية للاقتصاد العالمي ودور الهيدروكربون في السياق الإقليمي الجيوسياسي، والتعليم ودور المرأة في البلدان المختلفة، والتعليم والعمل في الشرق الأوسط وجلسة القادة الشباب وتحديد أهم مسائل الحوكمة العالمية التي يعتقدون بوجوب معالجتها في المستقبل المنظور.