الرباط - كمال العلمي
قالت ماريا أنطونيو تروخيو، الأكاديمية الإسبانية وزيرة الإسكان السابقة بحكومة خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو، إن هناك جهلا كبيرا ليس فقط بشأن المغرب الحالي، ولكن أيضًا بتاريخه، وهو ما نتج عنه تزيف تاريخ وجغرافيا وكذلك حاضر البلد، وبناء العديد من الموضوعات التي اتخذت شكلًا متصلّبا، لا تتوافق مع التحليل الجاد للبيانات، كما أفرز العديد من الأصدقاء المزيفين، بحيث يصعب العثور على زر لتعطيل نشاطهم.
وأكدت المتحدثة ذاتها، في حوار ينشر لاحقا، جوابا عن موقفها من مقترح الحكم الذاتي والطرح المغربي لإنهاء الصراع المفتعل بالصحراء، أن الجانب التاريخي هو خط التحليل الذي منح العديد من المؤلفين أكبر قدر من التلاعب، ليس فقط الإسبان بل الأجانب أيضًا، الذين شككوا في كل من الوجود التاريخي للمغرب (ككيان سياسي وثقافي واجتماعي) ووحدة المملكة، دون الأخذ بعين الاعتبار أن العديد من البلدان، التي لا يمكن لأحد اليوم أن ينكر هويتها ووحدتها، وعانت عبر التاريخ من التفكك بجميع الأنواع (إسبانيا وبريطانيا العظمى وألمانيا وإيطاليا، على سبيل المثال لا الحصر)، وهو الأمر نفسه الذي حدث مع المغرب.
وأوضحت الوزيرة الإسبانية ذاتها أن ثلاثي الجهل والنسيان وكذا التعمد في ما يتعلق بالحقائق التاريخية والجغرافية تسبب في كثير من سوء الفهم في المجتمع الدولي، مبرزة أن المغرب دولة ذات سيادة واستقلالية، لها اثنا عشر قرنًا من التاريخ، ورغم أن الاستعمار احتل مكانا مهما في البلد، إلا أن هذا لم يمس بوحدته أو هويته، إذ تمكن من تحرير جزء من ترابه عام 1956 ثم استعاد لاحقًا كل التراب الوطني، الجزء الذي كان تحت الحماية الإسبانية (طرفاية في 1958، سيدي إفني في 1969، والصحراء في 1975).
وتضيف ماريا أنطونيو تروخيو أن الخلاف حول الصحراء هو “صراع” مفتعل لا يوجد إلا على الساحة السياسية الدولية، لأنه بالنسبة لمحلل بسيط فإن التاريخ والواقع مختلفان للغاية، مؤكدة أن الصحراء ليست مستعمرة، لا من وجهة نظر المجال الترابي ولا التاريخ ولا القانون، إذ شكلت جزءا من التراب المغربي بطريقة أو بأخرى عبر التاريخ.وأشارت المتحدثة إلى أن المعاهدات الثنائية العديدة الموقعة خلال القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، من قبل المملكة، تؤكد روابط الولاء بين ملوك المغرب والقبائل الجنوبية التي اعترفت محكمة العدل الدولية لاهاي بوجودها في أكتوبر 1975، مشددة على أن الخلاف حول الصحراء ليس صراعًا على تقرير المصير، وفقًا لذلك النهج القديم القائل إن تقرير المصير هو الاستقلال، بل هو مسألة معقدة لدولة تريد استكمال وحدة أقاليمها.
واستحضرت الأكاديمية وخبيرة القانون الدستوري التجارب الدستورية والقانونية في 1971 و1997، مبرزة الجهود الكبيرة المبذولة من قبل المغرب لتنفيذ مسار الجهوية المتقدمة، التي تتشكل حاليًا من 12 جهة، بما فيها الجهات الثلاث بجنوبه، معزّزا الاقتصاد المحلي، ومرسّخا التماسك الاجتماعي، ومكافحا ضد الفقر، مقيما نموذجا جديدا للتنمية، وأضافت أن المغرب اتخذ خطوة مهمة في دستوره لعام 2011، بهدف إنشاء نموذج جهوي جديد يشمل التعددية والتنوع، مكرّسا لأول مرة في تاريخه الدستوري جزءًا للجهة (الباب التاسع)، ومعلنا كذلك، في بنده 1.4 عن كون تنظيم المملكة هو لا مركزي، ويتأسس على الجهوية المتقدمة؛ كما أدرج بالفعل منطقة الصحراء المتنازع عليها في أول 7 مناطق اقتصادية له، من أصل 16 جهة عام 1997، و12 جهة منذ عام 2015.
وأكدت المتحدثة ذاتها أن المملكة المغربية تمارس سلطاتها على هذه المنطقة، وإذا كان واقع هذا البلد، مؤسساته، أراضيه وشعبه معروفاً، فلن يشك أحد في أن السيادة المغربية على منطقة الصحراء كانت موجودة دائماً، ما يؤدي إلى تأكيد أن الصحراء من الناحية القانونية هي مغربية، وتابعت مستدركة: “لكن ربما أراد المغرب الذهاب أبعد من ذلك في مسار التقسيم الجهوي هذا، إذ إن الدعوة التي وجهها مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة لأطراف النزاع، من أجل إيجاد حل سياسي واقعي وعملي ودائم لقضية الصحراء، لقيت استجابة بناءة من جانب المغرب، إذ قدم عام 2007 خطته للحكم الذاتي للصحراء. إن الأمر يتعلّق بحكم ذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية”.
وزادت المتحدثة: “أعتقد على غرار بعض الكتاب المرجعيين الحاليين أن تقرير المصير / الاستقلال أنهى دورته، ولا جدوى منه لحل قضية الصحراء (نزاع إقليمي وتقليدي)، لكون خطة الحكم الذاتي التي يقدمها المغرب تحل هذه المشكلة”.كما أوردت ماريا أنطونيو تروخيو أنه بالتزامن مع ممارسة المغرب سيادته على منطقة الصحراء، قام كذلك بعمل دبلوماسي كبير في جميع أنحاء العالم، مستحضرة الدعم الذي حظي به على مستوى الساحة الدولية، من قبل المراقبين الموضوعيين والعديد من الدول الإفريقية ومن قارات أخرى، والذي لم يتأخر عن الاعتراف بجهود البلد في اقتراح الحكم الذاتي للصحراء باعتباره السبيل الوحيد للخروج من هذا الجدل، ومنح دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا في السنوات الأخيرة، وحكومة إسبانيا مؤخرًا، الشرعية للاقتراح المقدم عام 2007.
وفي ما يتعلق بإسبانيا، تورد ماريا أنطونيو تروخيو، وجه رئيس الحكومة بيدرو شانشيز رسالة إلى الملك محمد السادس في 14 مارس 2022، ناقلا بعض الأفكار للعلاقة الجديدة بين المملكة المغربية وإسبانيا (على أساس الشفافية والتواصل الدائم والاحترام المتبادل، واحترام الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، والامتناع عن أي عمل أحادي الجانب، على اعتبار أن المملكتين مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بالعواطف والتاريخ والجغرافيا والمصالح والصداقة المشتركة)، والتي تعترف فيها بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وجهوده الجادة وذات المصداقية في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل متبادل مقبول للطرفين، وتعتبر أن الاقتراح المغربي للحكم الذاتي المقدم عام 2007 كالأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل هذا الخلاف.
وتبعا لذلك، تضيف المتحدثة، قام رئيس حكومة إسبانيا بزيارة ملك المغرب، حيث ناقشا بعمق العلاقات الثنائية واعتمدا إعلانا مشتركا، وقع في 7 من أبريل 2022، حول مرحلة جديدة من الشراكة بين البلدين وضع خارطة طريق دائمة وطموحة.“أول العناصر الـ 16 المدرجة في خريطة الطريق الجديدة تؤكد أن إسبانيا تدرك أهمية مسألة الصحراء بالنسبة للمغرب، وكذا الجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل متبادل ومقبول؛ وبهذا المعنى تعتبر مدريد المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تم تقديمها عام 2007، بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل هذا النزاع “، تقول المتحدثة ذاتها؛ كما أشارت إلى أن الجهل نفسه يسود بشأن خطة الحكم الذاتي للصحراء المقدم عام 2007 كما هو الحال بالنسبة لتاريخ وشؤون المغرب، وعلى الرغم من وجود العديد من المؤلفات العلمية إلا أن الكتابات التي تناقش الموقف المغربي هي أقل من تلك التي تنتقده؛ وحول هذه الخطة (الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية) كذلك نطق المدافعون والمنتقدون دون معرفة فعلية بمحتواها.
وترى الأكاديمية ذاتها أن المغرب عندما سلك هذا المسار عام 2007 بهدف تضمين الحكم الذاتي لجهة الصحراء في الدستور كجزء من سيادة المملكة المغربية، مع تفرد يميزها عن بقية المناطق، ربما كان يتخذ خطوة كبرى نحو التفكير في نموذج ممكن، يكون لا مركزيا ولا مثيل له. (امتياز التفرد لمنطقة أو إقليم معين بغرض التمكن من منح التوازن لنموذجه، للتمكن من تصريف التنوع دون الاضطرار إلى المس بوحدة البلد)، وأبرزت أن هذا النموذج غير المتماثل يُعرف في العالم الغربي، لأن لديه بعض أوجه التشابه مع النماذج اللامركزية غير المتماثلة في كندا أو بلجيكا أو إسبانيا أو إيطاليا، من بين أمثلة أخرى.
وبناء على ذلك، تؤكد المتحدثة أن المبادرة المغربية تحترم النماذج المقارنة اللامركزية الترابية، على الرغم من أنها ليست موحدة (توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهة، والموارد الاقتصادية الكافية، والحكم الذاتي، واحترام الوحدة وسيادة الدولة). تنضاف إلى ذلك ضمانة إضافية تتمثل في المراجعة الدستورية وإدراج هذا الحكم الذاتي لجهة الصحراء في الدستور ليكون درعًا دستوريًا، كما قالت: “لا شيء يمنع المغرب من الاستفادة من هذا المقترح، فبإمكانه التقدم نحو تعميم نموذج اللامركزية في جميع أنحاء ترابه، ما سيترتب عنه الحكم الذاتي لجهة الصحراء، وهو ما سيبرز مرة أخرى الاختلافات التي يمكن إجراؤها على مستوى في التكوين الترابي للسلطة. وفي النهاية فإن خطة الحكم الذاتي للصحراء تتخذ أقاليم الحكم الذاتي في إسبانيا كمثال؛ وهذه الخطة يمكن أن تنجح، بدءًا من الإمكانات الإيجابية، وبغض النظر عن نقاط الضعف والعيوب في نظامنا”.
وختمت الوزيرة السابقة حديثها بالقول إن المشهد العام في الأقاليم الجنوبية حاليا عرف تقدمًا اقتصاديًا واجتماعيًا حقيقيًا وجادًا نتيجة نموذج التنمية الجديد؛ وهذا التقدم، الذي يضاف إليه النظام الأساسي الجديد للحكم الذاتي لمنطقة الصحراء، يمكنه بلا شك الإسهام أكثر في فتح الباب أمام إفريقيا، مستفيدا من التاريخ المشترك والترابط المتبادل عبر القرون، لعرض رؤية إستراتيجية تساهم في بناء الصرح الإفريقي، وتعزيز التكامل الجهوي، ومكافحة الفوارق الاجتماعية، والتعاون في تحقيق اقتصاديات قوية على أساس التضامن والمسؤولية، مشددة على أن مستقبل إفريقيا سيتم رسمه بيد إفريقية، والمغرب في الطليعة.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :