الدارالبيضاء ـ حاتم قسيمي
أكّد رئيس حزب "اليسار الأخضر" المغربي محمد فارس أنَّ حزبه استطاع أن يلغي توصية تتعلق بقضية الصحراء في مؤتمر الخضر العالمي في داكار، وصف المغرب فيها وكأنه الاحتلال الإسرائيلي، معتبرًا أنَّ سياسة الجزائر تجاه المملكة وصلت إلى حدِّ التهوّر واللامسؤولية والتجني، مشيرًا إلى أنَّ موقف الجزائر العدائي تجاه قضية الصحراء يعدُّ من مخلفات الحرب الباردة، داعيًا السلطات الجزائرية إلى إدراك
حقيقة أنَّ المستقبل سينصف المغرب، وأنَّ الشعب الجزائري غير قابل للاستبداد.ويرى فارس، في حديث إلى "المغرب اليوم"، عقب زيارة العاهل المغربي إلى الولايات المتحدة الأميركيّة، في ضوء أجواء إقليمية تميّزت بالتصعيد الجزائري العدائي للمغرب، أنَّ "الزيارة الملكية للولايات المتحدة كانت ناجحة، على المستويات كافة، الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية"، مشيرًا إلى أنَّه "بالعودة للجزائر لا يمكن لأي ناشط سياسي، وحتى للمواطن والمواطنة المتتبعين للأحداث، إلا أن يستغرب للمنحى الذي اتخذته سياسة السلطات الجزائرية تجاه المغرب، نحن نفهم أنَّ على كل دولة أن تدافع عن مصالحها، لكن أن تصل حد التهور واللامسؤولية والتجني على الآخر، فذاك ما لا نرضاه لأشقائنا في الجزائر، أيًا كانت الجراحات أو المؤاخذات على الماضي بين البلدين، فالتاريخ المشترك بين الشعبينن والحركات الوطنية للبلدين، والتضحيات المشتركة، تشفع لأي إرث خلافي من أي نوع كان، وعلى أي مستوى كان".
وأوضح فارس أنَّ "الموقف العدائي تجاه قضية الصحراء يعدُّ من مخلفات الحرب الباردة، وعلى السلطات الجزائرية أن تعي أن المستقبل سينصف المغرب، وأن الشعب الجزائري غير قابل للاستبداد"، لافتًا إلى أنَّ "منظومة حقوق الإنسان ستتسع بالجزائر، وعليها أن تستعد لتبعات ذلك"، مبيّنًا أنَّ "المغرب يخطو خطواته نحو المجتمع الديمقراطي الحداثي والتنموي، بكل جدية، على الرغم من وجود صعوبات على أكثر من مستوى، ولكن لكل أفق جميل فاتورة لا بد من تأديتها، ولكل مخاض في الجوار أثره على كل الجيران، وهذا ما تحاول السلطات الجزائرية التهرب منه، عبر إلهاء الرأي العام، وافتعال التصعيد، والهراء"، حسب تعبيره.وشدّد رئيس حزب "اليسار الأخضر" أنَّ "على المغرب أن يواصل مسارات الإصلاح التي دشّنها، عبر الإصرار والحزم اللازمين، أيًا كانت العقبات والصعوبات، وأن يستمر في بناء علاقات الشراكة والتعاون، سواء تجاه دول الشمال أو الجنوب، وأن يجسد على أرض الواقع خيار الإقليميّة المتقدمة، وأن يسرّع من وتيرة النهوض بثقافة حقوق الإنسان، وعلى الأحزاب السياسية الجادة أن تقوم بأدوارها كاملة في هذا المضمار".
وبشأن دور الحزب المغربي، لاسيما أنَّ الخضر في أوروبا عمومًا منحازون للدعايات الانفصالية، أكّد أنّه "على الرغم من أنَّ الحزب حديث التأسيس، حيث لم يمر على وجوده القانوني سوى 3 أعوام، استطعنا أن نلغي توصية تتعلق بقضية الصحراء في مؤتمر الخضر العالمي في داكار، في آذار/مارس 2012، وصفت البلاد وكأنها الاحتلال الإسرائيلي، وتمكّنا كذلك، بفضل إصرارنا ودعم بعض الأصدقاء الذين كسبناهم في المؤتمر التأسيسي، وفيما تلا ذلك، من اقتراح توصية بديلة، حظيت بالإجماع في الجلسة الختامية للمؤتمر، وكل هذا ضمّناه في الرسالة المفتوحة التي وجهناها إلى رئيس الحكومة، مطلع أيار/مايو 2012، وعلى مشارف مؤتمر ريو + 20".
وتابع، عن دور الحكومة في دعم حزب "اليسار الأخضر"، لاسيما ماديًا، "للأسف، الحكومة متخبطة في تدبير أزمتها أكثر مما هي منشغلة بقضايا البلاد الاستراتيجية، ولا زالت سياستها ملتبسة بشأن الدفاع عن المصالح العليا للوطن، فهي منزلقة للتعبير عن تعاطفات مبنية على انتمائات لكيانات هلامية، تجمع بينها رؤية الهلال، وتفرّق بينها المصالح الحقيقية على أرض الواقع".وأضاف متسائلاً "هل الحكومات الفرنسية، أيًا كان لونها السياسي، تغيّر سياستها الدولية المبنية على رعاية مصالح فرنسا، وهل الإدارة الأميركية تغيّر سياستها تجاه غريمها روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقًا)، في تنكر لمصالحها، هل الحكومات البريطانية، بمملكتها ورأسماليتها وحزب عمالها، تفعل غير الدفاع عن مصالحها وسياساتها الخارجية مستقرة، وتتجه نحو التعزيز والمواكبة والتطور".ولفت فارس إلى أنَّ "بعض السفارات والقنصليات المغربية لم تستوعب بعد التحديات الجديدة في ملف السياسة الخارجية، والدفاع عن الحقوق المغربيّة في الصحراء، وكذا التطورات الحقوقية بالمملكة، وضرورة التعريف بها".
واستطرد، بشأن تصنيف الحزب اليساري، والحالفات التي عقدها، مع أحزاب بعيدة عن اليسار، في 2011، والانخراط في مشاورات مع 4 أحزاب يسارية صغيرة، اثنان منهم كانت لهم الجرأة للعودة للاتحاد الاشتراكي، بعد مؤتمره الأخير، موضحًا أنَّ "اليسار ليس شعارات ديماغوجية، أو مزايدات سياسية، اليسار انحياز واضح وعقلاني للفئات الأقل استفادة من توزيع الثروات، والمهدّدة في كرامتها الإنسانية، بكل أبعادها ومكوناتها، والخبرة لا تنقصنا، فالحزب يتوفر على كوادر ومؤسسات أثبتت جدارة ونجاعة تفكيرها، وصدقها وجرأتها في اتخاذ القرارات الصعبة، والتي أملاها عليها الواقع الموضوعي للتطورات التي شهدتها المنطقة، وضمنها بلادنا، الحزب ليس زاوية أو ناد للفكر السياسي، منغلق على ذاته، نحن حزب سياسي يمارس الفعل السياسي بكل استقلالية في قراراته، وفق تحليله لما يتطلبه نضاله بغية تأمين الكرامة والأمن والأمان لكل المواطنات والمواطنين، وديمومة ذلك، إلى أبعد مدى"، مشيرًا إلى أنَّ "المرحلة التي تعيشها بلادنا تتطلب تعاقدًا وتعاونًا بين قوى اليسار والوسط، وكذا بعض قوى اليمين الحداثية، في مواجهة قوى الاستبداد والليبرالية المتوحشة، وقوى المحافظة والتخلف والإقصاء، في اتجاه القطع نهائيًا مع المنطق السياسي، لأعوام الرصاص، في أفق نظام ديموقراطي حداثي".
واعتبر فارس أنَّ "السياسي الذي يطمئن ينتمي لدائرة المغفلين، السياسة علم وفن، حساب لمتغيرات متعدّدة ومتجدّدة ومستجدّة، الخاصيات التي تحكمه هي الأمل الدائم، والعمل المستمر، والجرأة في المغامرة المحسوبة، والتأهيل المستمر، والنظر إلى الكأس في جزئيها الممتلئ والفارغ، لذلك نسمي واقع الحال في بلادنا بالأمل الواعد للتطور، وعلى كل من موقعه أن يتحمل مسؤولياته الكاملة في إنجاح ما تجري تسميته بالاستثناء المغربي، لكي يستفيد من ثمارها المغاربة، وكذا المنطقة، فنحن نحب فعلاً للجميع ما نحبه لأنفسنا، دون حسد أو حقد أو نفاق، ونقوم بما يمليه علينا ضميرنا، وفق قناعاتنا، وفي حدود ذكائنا الجماعي، ولا ندّعي أننا نملك الحقيقة، ولا الخيارات المثالية، نجتهد ونعمل وفق الممكن المتاح، لكن بصدق".
وأردف، بشأن المؤتمر الوطني للملاءمة، في تشرين الأول/أكتوبر 2013، وأهم القرارات التي اتّخذت فيه، "المؤتمر جاء في سياق ملاءمة الأحزاب السياسية لقوانينها مع قانون الأحزاب الجديد"، موضحًا أنَّ "المؤتمر عقد في ضوء مناخ سياسي مقلق، داخليًا وخارجيًا".
ولفت إلى أنَّ "الملاءمة تطلّبت منا مجهودًا كبيرًا، وتحديًا تنظيميًا جديدًا، وشارك في المؤتمر أكثر من 300 عضو، من كل ربوع المملكة، فضلاً عن أنَّ جلسته الافتتاحية شهدت حضور نشطاء سياسيّين ومنهيّين ومدنيّين ونقابيّين، من الداخل والخارج، ووسائل الإعلام، وعرف تكريم ثلاث نشطاء من السياسة والفن والمجتمع المدني".
وبيّن أنَّ "جدول أعمال المؤتمر شهد مناقشة بعض النواقص التنظيمية، وصادق على الأعضاء الجدد للمجلس الفيدرالي، عبر إضافة 27 امرأة، كما صادق على الأعضاء الجدد لمكتب التنسيق الوطني، مع إضافة ثلاث نساء، وأنهى أعماله بتأكيد التزامه بالدور الموكل له، في النضال الإيكولوجي، ضمن هيئات الخضر العالمية، وكل القوى الديمقراطية والحداثية، على المستويين المحلي والعالمي، ومنبهًا إلى ما يتهدّد الإنسان على هذه الأرض من أخطار، لا سيما في ضوء نظام اقتصادي إنتاجي استغلالي، يرتكز على العنف، والتمييز، والتفاوت بين الفئات، في تنكر لكل القيم الإنسانية، التي ناضلت من أجلها البشرية جمعاء عبر التاريخ".
يذكر أنَّ رئيس حزب "اليسار الأخضر" المغربي محمد فارس هو طبيب في القطاع الخاص، ولد عام 1958 في مولاي يعقوب، في فاس، متزوجٌ وأبٌ لطفلين.ويعدُّ فارس من مؤسسي الفصيل القاعدي الطلابي، ومسؤول في تعاضدية طلبة كلية الطب في الرباط، في الفترة ما بين 1976 إلى 1983، وشارك في المؤتمر الوطني الـ 16 والـ17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وساهم في مسار تجميع اليسار الجديد.وكان فارس عضو اللّجنة الوطنيّة لـ"الحركة من أجل الديمقراطية"، ابتداء من 1995 إلى غاية المؤتمر الاندماجي في 2002، وعضو المكتب السياسي لحزب "اليسار الاشتراكي الموحد"، من 2002 إلى 2004، ومدير جريدة "حرية المبادرة"، ومن مؤسسي وقيادة تيار "حرية المبادرة الديموقراطية"، من 2004 إلى 2008، وهو تاريخ إنشاء اللجنة التحضيرية لحزب "اليسار الأخضر".
وشارك محمد فارس في ندوات ولقاءات دولية عدة، بشأن البيئة والتنمية والسياسة، منها في أميركا، وفرنسا، وسويسرا، والسنغال، وإسبانيا، ما بين 1994 و2012.