واشنطن - الدار البيضاء اليوم
يصنف عازف البيانو الإفريقي الأصل توماس ويغينز (Thomas Wiggins) المعروف عالميا باسم "توم الأعمى" كأحد أهم الموسيقيين الذين عرفهم القرن التاسع عشر، حيث حققت حفلات هذا الرجل أرباحا مذهلة تجاوزت أحيانا أرباح حفلات كبار الموسيقيين الذين عاصروه.
وعلى الرغم من مروره بحياة العبودية منذ ولادته يوم 25 أيار/مايو 1849 بإحدى مزارع مقاطعة هاريس بولاية جورجيا الأميركية، عرف توم الأعمى نجاحا مذهلا قاده للعزف بالبيت الأبيض أمام الرئيس الأميركي.
بيع توماس ويغينز كعبد للجنرال جيمس نيل بيتون (James Neil Bethune) المتميز بآرائه المؤيدة لاستمرار العبودية وانفصال الجنوب، وأبدى توماس إلماما كبيرا بالأصوات المحيطة به على الرغم من إعاقته، فكان قادرا على التمييز بينها وأظهر إعجابا شديدا بصوت البيانو.
على حسب مصادر تلك الفترة، وضع توم الأعمى أصابعه على البيانو لأول مرة عندما حاول تقليد عزف بنات الجنرال بيتون اللواتي كن موهوبات في العزف على هذه الآلة. وقد تحدّث كثيرون عن اعتراف بيتون ببراعة توم في العزف منذ أن كان الأخير في الرابعة من عمره فكان قادرا على تقليد عزف مقطوعات الآخرين عقب سماعها.
في السادسة من عمره تنقّل توم الأعمى مع سيده عبر ولاية جورجيا، فقدّم عروضا موسيقية رائعة جذبت انتباه الكثيرين، حيث روّج الناس له وزادوا من شهرته بعد أن لقّبوه بالأعجوبة، ونابغة الموسيقى الصغير ذي الموهبة الطبيعية.
أيضا، تحدّثت العديد من مصادر تلك الفترة عن قدرة هذا الصبي على التعرف وحفظ موسيقى رقصات الفالس (waltzes) والرقصات البوهيمية (polkas) والكونشرتو (concertos).
في الثامنة من عمره، وافق سيّده جيمس نيل بيتون على تأجيره لمروج العروض الموسيقية الشهير بيري أوليفر (Perry Oliver) الذي لم يتردد لحظة في اصطحاب الطفل النابغة توم الأعمى في جولة عبر مختلف الولايات الأميركية، فكان الصبي الإفريقي يقدم الحفلات بشكل مستمر، وقيل إنه قدّم في بعض الأحيان 4 حفلات يوميا.
وبفضل إبداعاته، كان توم الأعمى قادرا على تحقيق أرباح بلغت 100 ألف دولار سنويا، لكن مع الأسف لم يحصل الطفل على أي منها، حيث عادت هذه المبالغ الطائلة لسيده الجنرال بيتون ومروج العروض بيري أوليفر بسبب وضعه القانوني الذي صنّفه كعبد مملوك ومنع عليه الحصول على العائدات المالية.
سنة 1860، حل الطفل الملقب بتوم الأعمى بالبيت الأبيض فعزف للرئيس الأميركي جيمس بيوكانان (James Buchanan) وأثار إعجاب الحاضرين.
ومع اندلاع الحرب الأهلية، فكّر الرئيس الجديد أبراهام لينكولن في تجنيد هذا الطفل لصالح جيش الاتحاد.
أيضا، كسب توماس ويغينز إعجاب وحبّ العديد من كبار أدباء تلك الفترة كمارك توين وويلا كاثر التي لقّبته ذات مرة بالإنسان الفونوغراف.
ولسوء حظّه، لم يكن توم الأعمى مدركا لما يحصل حوله كما كان غير قادر على الاعتناء بنفسه فاضطر للاعتماد على طيبة سيّده الجنرال بيتون الذي قاتل بشراسة للحفاظ على ملكيته.
فضلا عن ذلك، لم يكن توم يعي معنى أنه عبد مملوك لشخص آخر، كما كان يجهل أصوله ولون بشرته واهتم فقط بصوت البيانو.
على حسب التقارير الطبية لتلك الفترة والتحاليل المعاصرة، عانى توم الأعمى من أمراض نفسية، حيث تحدّث الجميع عن إصابته بمرض التوحد ومتلازمة الموهوب، وهو الأمر الذي فسّر براعته وموهبته في العزف على البيانو.
من ناحية ثانية، صنّف توم الأعمى كعازف البيانو الأعلى أجرا في وقته وقد واصل الأخير حياته مع عائلة بيتون لحدود سنة 1908 حيث فارق الحياة حينها عن عمر يناهز 58 سنة عقب إصابته بسكتة دماغية.
قد يهمك أيضا :
المركز الثقافي المصري في باريس ينظم أمسية شعرية موسيقية
انطلاق الدورة الـ 15 لمهرجان الفن المعاصر بالمعهد الثقافي الإيطالي