الدار البيضاء - جميلة عمر
يعتبر التوثيق العدلي في المغرب، عنصرًا ضروريًا وحيويًا لبناء المجتمع اقتصاديًا وضمان استقراره وحقوقه قانونيًا واجتماعيًا، فبالإضافة إلى كونه يوثق الحقوق والمعاملات والحفاظ على أعراض الناس، وأنسابهم، كان له ولا يزال له دورًا فعالًا في توثيق بيعة الملوك والسلاطين المغاربة، كما يشكل دعامة أساسية للمنظومة القضائية من حيث تحضير وسائل الإثبات التي تمكن القضاء من فض النزاعات، والفصل في الخصومات إضافة إلى دوره في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية.
و لتسليط الضوء على هذه المهنة أجرى "المغرب اليوم" مقابلة مع الدكتور عبدالسلام آيت سعيد، أستاذ باحث في الحكامة التوثيقية والمقاصد الشرعية، وعضو اللجنة العلمية في الهيئة الوطنية للعدول، وبداية ذكّر سعيد بأهمية التوثيق العدلي في المجتمع المغربي وفي منظومة الأمن التعاقدي في المغرب، معتبرًا أن الوثيقة العدلية لا تقتصر على الحقوق المتعلقة بالأسرة والميراث، بل يتجلى دورها الكبير في حماية الحقوق المالية والاقتصادية والمعاملات التجارية، مما يؤدي حتمًا إلى استقرار المعاملات وحسم المنازعات وتحقيق الإثبات والأمن التعاقدي.
وعن سؤال حول تطلعات العدول بعد توالي القوانين، أكد سعيد: "المهنة تتوفر على نخبة المجتمع من فقهاء وعلماء وأساتذة وخطباء ومثقفين، يشكلون شرايين القلب النابض في بعض القطاعات، كالقطاع الديني والمدني والجامعي. لكن للأسف هذه الأدوار، وهذا الإشعاع لا نجد له صدى ولا أثرًا في قطاع التوثيق العدلي من حيث الجزاء والإنصاف والاعتبار لهذه الشريحة المهنية العريقة والأصيلة في المجتمع المغربي.
وفيما يخص الوقفات والاحتجاجات التي نظمها مؤخرًا عدول المغرب، أوضح: " العدول يرفضون النظرة الدونية، والنظرة الإقصائية والنمطية، والكيل بمكيالين في التعامل مع مطالبهم وقوانينهم، فهم يرفضون التفاضل في الحقوق والواجبات وينددون بالريع التشريعي الذي يجعلهم مواطنين مغاربة من الدرجة الثانية" .
وانتقالًا إلى المشاكل التي لا يزال أصحاب هذه المهنة يتخبطون فيها، أكد: "العدول يعانون من مشاكل ذاتية وهناك مشاكل موضوعية، وتكمن المشاكل الموضوعية في أزمة القوانين والتشريعات المنظمة للمهنة، فمهنتهم محاصرة بقوانين مجحفة قزمت المهنة وأهلها، مما أثر على العطاء والإنتاج الجيد وجودة التوثيق في زمن المنافسة وسوق المنافسة، التي يستوجب مجموعة من المعايير على رأسها، السرعة في الإنجاز والنجاعة والإتقان والفعالية والجودة الشاملة".
وأشار المتحدث إلى أن التوثيق العدلي ما زال يعاني من الوصاية وغياب الاستقلالية عن مؤسسة قاضي التوثيق، وما زال ملزمًا بضوابط شرعت لزمانها غير هذا الزمان كالنسخ باليد والأداء والخطاب، وهذا هو الواقع الذي يعيشه العدول في زمن الحداثة والحديث عن المحاكم الرقمية وإدخال التكنولوجيا إلى القضاء وتأهيل الموارد البشرية والمهن القضائية والقانونية، وعلى الرغم من أن أمل العدول كان معلقًا على نتائج توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة إلا أن هذه التوصيات بعد صدورها خيبت ظنهم وكدرت أحلامهم بالسطرين اليتيمين في حقهم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر