يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، لم يكن معروفًا على نطاق واسع قبل تعيينه، وكل الذين التـقوه حين كان منهمكًا في تشكيل حكومته يقولون عنه إنّه "بشوش، لكنه صلب الإرادة ".
وأوضح الشاهد، قائلًا "لقطات المشهد كانت تتابع بلا توقف، تتعقّد أكثر فأكثر، تتسارع، ما إن فرغت من تشكيل حكومتي وأعلنت عن تركيبتها حتى وجدتني منشغلًا بوضع اللمسات الأخيرة للخطاب البرنامج الذي كان عليّ أن ألقيه أمام مجلس نواب الشعب، منكبّا على جمع الفريق الحكومي، حريصًا على انصهاره حتى نكون في أهبة لبدء العمل مباشرة. كان لا بد من الاهتداء إلى أفضل المقاربات في خضم الأولويات التي كانت تطوقنا من كل جانب، والرؤى كانت واضحة، والرأي السداد هو أن يتم القطع أصلًا وشكلًا مع كل الحلول القديمة، ذلك ما يريده البلد ولا مندوحة عنه إطلاقًا، وأسلوب الشاهد واضح هو الآخــر، تفويض الصلاحيات، إشاعة الشعور بالمسؤولية، القدرة على الاستباق، التحلّي بالشجاعة، الجرأة، واعتماد كل ذلك سبيلًا إلى اتخاذ القرار، القرار الجيد. لا تنازل البتّة عن أمور جوهريّة ثابتة هي التضامن الحكومي وتجسيد الدولة واحترام القانون".
وأضاف في أول حوار له بعد استلامه لمهام رئيس حكومة مع مجلة "ليدرز" أنه عرض على أعضاء حكومته خطوطًا كبرى، ودعاهم إلى واجب التضامن الحكومي، والتراجع عن الانتماء الحزبي وجعله في مقام ثان، واعتبر أن يكون زيد أو عمرو عضوًا في الحكومة، فذاك من قبيل الحظ والتميّز في فرصة حظوة تتاح له كي يخدم البلد، خاصة في هذه المرحلة الاستثنائية. فمن ينضمّ إلى الحكومة يصبح شخصية عامة، يجسّد الدولة. وقال إنه لن يسمح بأيّ تجاوز على هذا الصعيد".
وتابع الشاهد "أن هناك أيضًا أهمية الاتصال في العمل الحكومي، هذا الاتصال ينبغي أن يكون منسجمًا وواضحًا وبيّنًا وبعيدًا عن كل أنواع اللغط واللغو، مع أهمية الجرأة في اتخاذ القرار، والشجاعة مع الحرص على إعطاء تفويض واسع على مستوى اتخاذ القرار، وسأكون سندا عتيدا لكم بادروا، اعملوا، فأنا متحمل لمسؤولياتي". وأكد أن التشدّد والصرامة سيكونان الفيصل إن وقع تجاوز القانون وخرق الدستور، فصورة الحكومة من صورة البلد، ومن صورة الدولة، واعتبر يوسف الشاهد الاستباق أمر مهم جدّا، بل أساسي لاستطلاع بوادر الأمور وتمثّلاتها الأولى والتّحرّك فورا. وفي حال تعكر الوضع، لا بد من مواجهة الأزمة بالنجاعة اللازمة وبالسّرعة المطلوبة.
وفيما يتعلق باختياره لأعضاء الحكومة قال إن ذلك لم يكن بالأمر الهين. مقاييس واعتبارات عديدة ينبغي أخذها في الحسبان "الكفاءة، تمثيل العائلات السياسية على أوسع نطاق، تلك التي أمضت على اتفاق قرطاج والأخرى التي لم توقع عليه، التوازنات، التوازنات الجهوية بالخصوص، السن، الجنس، كانت هناك مسألة هندسة التركيبة الحكومية التي ينبغي بناؤها. كان لا بد من غلق الملف تماما بعد أسبوعين، وتحت ضغوط شديدة. الجولة الأولى تركزت على الأحزاب التي ينبغي أن تقترح مرشحيها، لا أن تطالب بوزارات، حتى تترك له حرية اختيار أعضاء حكومته بين وزراء وكتاب دولة، سواء من بين من يتم ترشحيهم أو من سواهم. فاختيار فريقه أمر موكول اليه وحده، ولا دخل للأحزاب في محاسبة هؤلاء الأعضاء، وهذا شيء في منتهى الأهمية من حيث خلق اللحمة الحكومية اللازمة".
وواصل رئيس الحكومة أنه التقى حوالي 250 شخصًا، اجرى أحاديث مطولة مع البعض ، وموجزة مع البعض الآخر. تمت موافاته بفيض جارف من السّير الذاتية، فيها الغث وفيها السمين. .وكان من الضروري تقييم كل هذه المطالب وفرزها حتى ينتهي إلى قائمة بحجم معقول وعلى قدر من الوجاهة. ثم أجرى جولة ثانية من الأحاديث مع بعض المرشحين الذين تتوفر لهم حظوظ لكي ينضموا إلى الفريق، ثم عاد إلى الأحزاب في جولة ثانية كذلك لكي يطلعها على اختياراته وما استقر عليه النقاشات. وأضاف "أن النقاشات كانت حيّة جدا، الضغوط تشتد، المفاوضات تحتدّ، واعتمد منهجًا غير معتاد كان مراده أن يضم من المرشحين أفضلهم، وأن يضيف إلى الممضين على اتفاق قرطاج بعض من نأوا بالنفس عن التوقيع على غرار الجمهوري وغيره. كان من الصعوبة بمكان أن يحصل على مراده دون أن استياء البعض وغضب الآخر.
وأكد يوسف الشاهد أن ما كان يثير انتباهه بشكل خاص هو إعراض البعض عن الانضمام إلى التشكيلة الحكومية. كانوا يرفضون تحمّل المسؤولية العامة والقبول بالشروط المعروضة عليهم. واعتبره أمر غريب، وقال إنه بفضل المشروع المشترك الذي يجمع كل الفريق الحكومي والتحديات التي سيواجهها وتصميمهم جميعا على النجاح في مسعاهم، سوف يوضع كل ذلك على المحك من خلال عملهم اليومي، وسيتحقق الانصهار بين الجميع.
وشدّد رئيس الحكومة على أنه سيقطع في الأصل وفي الشكل مع الحلول القديمة، والتونسيون على حد تعبيره يرغبون في إحداث تغيير حقيقي. لذا لا بد من القطع مع القديم ومع ما لا نجاعة ترجى منه، كما لا بد من صنع أجوبة فيها تغيير وفيها تجديد.وهذا يتطلب تضافر جهود الجميع ويحتاج إلى إطلاق المبادرات وإعطاء تفويض كامل لأعضاء الحكومة حتى يتولوا كل المسؤوليات التي تدخل في دائرة نظرهم. الأفضل أن يقصروا لقاءاتهم على الأهم الأهم، فالحوكمة الرديئة مجلبة للخسارة على صعيد التنمية. وعن اسلوب عمله شدد على انه لا بد من توفّر طاقم عملياتي back-office، وانه سيكون حريصًا على دعمه وهيكلته.
وأردف "أن البلد يعج بالكفاءات، وهو سيستنجد بها"، موضحًا أنه من بين الأولويات التي ستعمل عليها الحكومة هي النقاط الخمس الواردة في اتفاق قرطاج، يضاف إليها إعداد مشروع ميزانية 2017 الذي ينبغي أن يكون جاهزا بعد شهر ونصف أي قبل تاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إلى جانب قانون المالية.
وفيما يتعلق بعلاقتهم بالاتحاد العام التونسي للشغل، قال رئيس الحكومة إنه تنتظرهم قرارات مؤلمة، وتضحيات، وأنه ليس لهم من خيار غير خيار الحوار والتفاوض والتنازلات من الجانبين وتقاسم الأعباء في القصبة وقرطاج، وقال انه متاكد من انهم سيتخطون الأزمة.
وعن طبيعة علاقته بقصر قرطاج، أكد أنها علاقات رسمية تتسم بالاحترام والتقدير والحرص على التعاون الوثيق. وهناك علاقات مهنية كذلك تقوم بين فرق العمل هنا وهناك. وهي علاقات ودية على المستوى الشخصي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر