الرباط _ الدار البيضاء اليوم
اعتدنا دائما على مشاهدة لوحات فنية مرسومة بالألوان المتعارف عليها مثل فرشاة الزيت والألوان الخشبية أو لوحات مرسومة بالفحم أو القلم الرصاص، كلها أدوات اعتدنا مشاهدتها في الرسومات لمختلف الفنانين التشكيليين والرسامين.ولكن في هذه السطور نستعرض نوعا جديدا من الرسوم والفنون ربما لم تسمع عنه أو تشاهده من قبل، وهي الرسم باستخدام البكتيريا والفطريات.. نعم ما قرأته صحيحا.. البكتيريا تلك الكائنات الدقيقة التي لا تشاهدها إلا عبر الميكرسكوب.
فهناك جماليات للعلوم في الدقة التي يمسك بها الجراح المشرط في ألوان وسحر تحولات الكيمياء في المعمل، وإذا كنت ذا خلفية علمية بالتأكيد تتذكر معمل الميكروبيولوجي، تلك الكائنات الدقيقة الملونة التي تراها تحت الميكروسكوب، حياة كاملة مصغرة، كائنات تعيش حولنا، وداخلنا ولا نراها.
في حلوقنا وبطوننا، تعيش كميات مهولة من البكتيريا النافعة في الحالات الطبيعية، وهذا الكائن غير المرئي له تأثير علينا أكبر مما نتخيل، وهذا ما دفع بعض الفنانين المعاصرين لاستخدام البكتيريا في الرسم فيما يعرف باسم الـ«بيو آرت» ويخرج هذا الفن من المعمل والأتيليه، وبين فرشاة الرسم، والمشرط، ويرسخ العلاقة بين العلم والفن.
دمج الفن بالعلوم
في الثقافة الحيوية يدمج الفن الموضة مع علم الأحياء، فقد صُنعت فساتين من السيليلوز الذي تخرجه البكتيريا من النبيذ الأحمر، وهذا الاندماج يصنعه الفن الحيوي، أو البيو آرت وهو فن حي، يتم باستخدام تقنيات البيوتكنولوجي، وبالرغم من أن العالم الفني عرف البيو آرت في بداية الألفينات، لكن أول شخص صنع صورة فنية حيوية هو ألكسندر فليمنج مخترع البنسيللين، والذي اكتشفه بالمصادفة أثناء قيامه برسم بورتريه، ليكون سببًا في حفظ حياة الملايين، وذلك عن طريق تلوين بعض البكتيريا بواسطة صبغات طبيعية، ثم ملأ الأطباق الزجاجية بـ«الأجار»، وهو وسيط يشبه الجيلاتين، يعزز نمو البكتيريا، وقد رسم فليمنج بيوت، ونساء يرضعن أطفالهم بواسطة البكتيريا.
ومن رواد هذا الفن من الفنانين المعاصرين إدوارد كاك، وجون دافيز، ويستخدم الفنانون أشكال البكتيريا، والفطريات لتمرير رسالة، أو فكرة ما، ويحضرون الأشياء الحية إلى المعمل ليتم استخدامها في العمل الفني.
طريقة الرسم بالبكتيريا
يستخدم الفنانون أنسجة الجسم، والمقل، ويغزلون من خيوط الشعر، والحمض النووي أعمالًا فنية، وطريقة الرسم بالبكتيريا غير الضارة هي جلب صور ووضعها في وسيط ملائم لنمو البكتيريا، بعدها يقوم الفنان بعمل مزرعة بكتيرية، ويتحكم في ألوانها، ونموها على الصور، وبنمو البكتيريا ينتج تأثيرات مختلفة.
تقول د. هبة العزيز فنانة تشكيلية معاصرة، وحاصلة على الدكتوراة في الفن الحيوي، إن هذا النوع من الفن هو استخدام الحياة لإنتاج عمل فني، وقديمًا كانت الطبيعة مصدر إلهام للفنانين، وبعدما ظهرت التكنولوجيا الحيوية استفاد الفنانون منها ومن أدواتها، فبدلًا من تقليد الطبيعة، قدموا الطبيعة نفسها كعمل فني، وعلاقة هبة بالعلوم بدأت من الطفولة؛ لأنها تحب علم الأحياء وهي تعمل بتقنية الزراعة البكتيرية، فالبكتيريا بالنسبة لها كـ«البالتة» بحسب وصفها.
وتقول "العزيز" ظهر الفن الحيوي في الألفينيات بعدما قام الفنان المعاصر إدوارد كاك، بتهجين أرنب بالمادة الوراثية لقنديل بحر فلورسنتي، لتكون النتيجة أرنبًا مضيئًا سماه ألبا، وقد صحب الأمر ضجة شديدة، وظهر مؤيدون، ومعارضون لهذا الفن، وقد أتته الفكرة من الكائنات المقدسة في مصر القديمة التي تمتلك رأس طائر، وجسم إنسان، وقد ذهب بعض الفنانين بعيدًا بزرع أعضاء مختلفة داخل أجسامهم.
وتقول هبة إن عملها يعتمد على الزراعة البكتيرية، والعمل مع البكتيريا يختلف عن أي عمل فني، فهناك جزء يُترك للمصادفة؛ لأن البكتيريا لها قوانينها الخاصة في النمو، وتقول إنها تستهدف جمهورًا من كل الفئات، لكن ذوي الخلفية العلمية بشكل خاص يجدون الفن الحيوي موضوعًا شيقًا.
محاكاة للحياة
يعبر الفن الحي عن مخاوف الفنانين من التحولات الجذرية في الحياة؛ فالبكتيريا كائن حي، تولد، وتموت، وتتلاشى، كذلك الفن الحيوي، يتلاشى بموت البكتيريا، وهو يحاكي في ذلك الحياة ذاتها.
في الطبيعي يستخدم الفنان ألوان زيت، أو باستيل، لكن في البيو آرت يستخدم الفنان مادة حية للرسم، بداية من الأحياء الدقيقة كالبكتيريا، والخلايا، والأنسجة، إلى الحيوانات، ويستخدمون للرسم تقنيات البيوتكنولوجي.
ويستخدم الفنانون البكتيريا للتعبير عن هويتهم، برسم أشخاص تموت وتتلاشى أيضًا مثل البكتيريا، وهذه اللوحات التي تُرسم بالبكتيريا لا يمكن شراءها، ولا امتلاكها، وذلك لأن شكلها يتغير كل يوم، وهي زائلة مثل حياتنا.
وقد طور الفنانون المعاصرون الفكرة من مجرد تسليط الضوء على البكتيريا إلى رسم صور لأقاربهم، ومعارفهم، وقاموا بنقل الصور على أطباق البتري بطريقة تسمى النقل الحراري، بحيث تكون الصورة واضحة تمامًا داخل الطبق، بعدها يقوم الفنان بعمل مزرعة، ثم يبدأ في إنماء بكتيريا عليها، وبزيادة درجة الحرارة، يزداد نمو البكتيريا، وتغطي على الصور، حتى تتلاشى الملامح.
قد يهمك ايضا
”الرباط“ تهنئ الليبين باختيار ”عبد الحميد دبيبة“وزيرا أولاً لليبيا
عقيلة صالح يؤكد أن ليبيا ليست سلعة للمساومة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر