آخر تحديث GMT 18:37:04
الدار البيضاء اليوم  -

"أدب الواقع أولى من الخيال" المزيج المميز لمهابط الحياة

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  -

أنطونيو مونيوز مولينا
الرباط _ المغرب اليوم

 

قيل عن الكاتب الإسباني حاصد الجوائز أنطونيو مونيوز مولينا: إنه متسكع معاصر، وقد سار على درب مؤلفين من أمثال توماس دي كوينسي وشارل بودلير ووالتر بنجامين، وجاب على غير هدى مدن مدريد وباريسونيويورك حاملاً دفتر ملاحظاته وقلم رصاص كأداتين لخّص بهما ذاك المزيج المميز لمهابط الحياة وارتفاعاتها.وقد كتب يوماً يقول: «إن دفق الحياة العادية يحيك جدلياتها وأوجه تشابهها وأصداءها، دون أن نضطر لأن نخترع شيئاً تماماً كما ترتسم تموجات مياه الأنهار».

يعتبر مونيوز أن الحياة تتحلل وفق توقيتها الخاص ووفقاً لإيقاعاتها الطبيعية الغامضة. وهكذا فإن «الرواية تكتب نفسها أيضاً».وتتبدى رواية «كظل متلاشٍ» التي احتلت مكاناً على اللائحة القصيرة لجوائز «مان بوكر» العالمية أشبه بنوع هجين من خيال السيرة الذاتية. ويبدو أن مونيوز من خلال الإغداق البياني والتحريري حول طبيعة الرواية وكأنه يحاول بناء واحدة تكتب ذاتها بذاتها مستقياً من مواد خام من التاريخ ومن حياته الشخصية الخاصة.

ويخلص مونيوز إلى أن «الأدب يوازي الرغبة في احتلال عقل شخص آخر، كما السارق الذي يسطو على المنزل، ويحاول رؤية العالم من منظار الآخر». لكن أحياناً ما يكون الكاتب أشبه بالسارق الذي يصنف محتويات المنزل ويقيّم كلاً منها مستبعداً غير الثمين مكتفياً بالنفيس في جعبته. يصف مونيوز علاقته بأدب الخيال بالمتينة، ويؤكد أنه يقرأ الأعمال ويعيد قراءتها، لكنه يجزم في الوقت عينه بأنه إن لم يشبع ذاك النوع نهمه فإنه يفضل العودة إلى أدب الواقع.

وقد عمد مونيوز إلى حياكة خيوط التاريخ في نسيج قصصي مبهر، كيف لا والتاريخ برأي مولينا يعطي نفحة من القدسية للرواية ويهبها نوعاً من المصداقية والارتباط بعالم الواقع. وتتمخض نظرية مونيوز حول التاريخ بأن أي شيء قد يكشف عن أمر آخر؛ «فليس هناك من مجرد صورةٍ ظلّية أو شخصية إضافية ملحقة في قصص الآخرين»، حسبما يقول.ومن هذا المنطلق فإنه لا بدّ لكل واقعة أن تسمى، وتوصف وتعدّ لصالح الكشف. ففي النهاية «كلما كانت تفاصيل الموقع والوقت دقيقة ومحددة، بدت بداية القصة ونهايتها أكثر جزماً». ويلتزم مولينا بهذا المبدأ أولاً بأن يعطينا نهاية واحدة يدعوها بـ «النهاية الممكنة إذا نظرنا للرواية عبر مجهر الحقائق المتجهم».

مساحاتويشكل وصف مونيوز ربما للطريقة التي أفضت لجمع مكونات الرواية الإضاءة الأكبر للعمل. وقد ناقش في حديث له «لتوني ريدينغ ليست» كيف اتخذ القرارات بشأن موضوعات الرواية وطريقة استقاء الشخصيات من الواقع.

استناداً إلى أشخاص التقاهم فعلاً، وأماكن قام بزيارتها ذات مرة.وقد وجد نفسه في بداية الأمر غير قادر على تجميع العناصر إلى أن أدرك الأخطاء التي كان يقترفها. وقال في هذا الصدد: لكني لم أكن أختبئ، بل كانت تلك مجرد أشياء لم أعرفها، أو أعلم بأنها قد تكون ذات أهمية للرواية، وكان خطأي طوال الوقت يكمن في محاولة ملء كل الفراغات بتفاصيل غير ضرورية، وملء المساحات الفارغة عبر الرواية على غرار رسام ذي موهبة متواضعة يغرق لوحته كاملة بالألوان أو موسيقي مدّعٍ لا يترك أي مساحة للصمت. لقد كنت أرسم الشخصيات عموماً عبر التفاصيل الضائعة وكانت الرواية تتفتح أمام ناظريّ كسلسلة ومضات أو ضربات ريشة سريعة في الفراغ.

وقد تمكن من كتابة الجزء الأول من الرواية، قبل أن يصطدم بعائق مفاجئ يمنعه من المواصلة. لكنه توصل إلى أن المخرج الوحيد الممكن الذي يخوله التحرك مجدداً يكمن في الانتقال إلى العاصمة البرتغالية لشبونة بالفعل. أما واقع أن زوجته كانت قد أنجبت مولودهما حديثاً فلم يكن بالنسبة إليه إلا تفصيلاً جانبياً.ملاذ آمنلا تعدّ أحدث روايات مونيوز مجرد إعادة سردٍ نموذجية للحظة حاسمة من التاريخ؛ ذلك أن الرواية باتباعها عن كثب مسار راي وحبكه داخل عملية الكتابة إنما تخطّ عملاً يتأرجح بدقة بين سعي الكاتب وراء الحقيقة وبحث المجرم عن ملاذ آمن. ويسبر مونيوز عبر جمل سردية قصيرة لكن مكثفة دهاليز عقل القاتل ويقارنه بعقله، في مساق ينسجم مع ما كتبه حول أن «الرواية حالة ذهنية، وبيئة داخلية دافئة تلوذ بها أثناء الكتابة، شرنقة تحاك من الداخل وتحبسك بين قضبانها فتريك العالم الخارجي من خلال خيوط تجويفها شبه الشفاف. الرواية عمل اعتراف ومخبأ في آن».ويجري مونيوز ككاتب تحقيقاً مع الذات في روايته كما ينطلق في رحلة استجواب حول المشروع الأدبي الذي شرع العمل عليه، وليس حول المجرم الموجود في القصة.

أما مردودات ذلك فجمّة، إذ جاءت «كظل متلاشٍ» تتراوح بين التوظيف المقتّر للتقنيات الروائية واستجواب جنائي لأدب الخيال نفسه. أما نوع القَصّ الماورائي الذي غالباً ما يظهر بطريقة بعيدة عن الاحتراف، فتبلور بأبهى صوره على يد مونيوز.رومانسيةوتذكِّر رواية «كظل متلاشٍ» القارئ بالأعمال الكبيرة وتؤكد في الوقت عينه تفّردها. وقد سبق للتهجين الذي اعتمده مونيوز أن أوحى بمقارنات مع «ليبرا» التي تناول من خلالها دون دي ليللو هارفي أوزوالد واغتياله لـ«جيه إف كيندي» والتي قاوم فيها على نحو مماثل إضفاء العامل الرومانسي أو التحليل النفسي على بطله، لكن روايته ظلت تفتقر لذاك الطموح الملموس لدى مونيوز.

لم يكن مولينا مهتماً بتحويل قاتل تافه إلى شخصية أسطورية تحيط بها الألغاز، ولا سعى لأن يجعل من نفسه بطل قصته. بل تركز مرماه بشكل جوهري ولمسوغات رائعة، حول إظهار أن معاني القصص الواردة في الرواية، سواءً أكانت حقيقية أم خيالية، أفضل ما تقال عبر السرد.يعتاش الروائيون بطبيعتهم على الحتات يقول مونيوز، إنهم أشبه بمخلوقات خيار البحر في قعر المحيط، وإن ما يجمع بين الكاتب والقاتل في روايته «كظل متلاشٍ» اتكالهما على الآخرين سواء أكانوا ضحايا أم مادة فنية. وليست كتابة الرواية بالنسبة له سوى فعل استهلاك فني بقدر ما هي عملية خلق إذ يقول: الخيال السردي لا يتغذى على ما هو مختَرَع بل على الماضي.

إضاءةأنطونيو مونيوز مولينا كاتب إسباني من مواليد أوبيدا في العاشر من يناير 1956، وعضو في الأكاديمية الملكية الإسبانية منذ العام 1996 حاصل على جوائز عدة وتكريمات أبرزها جائزة أمير أستورياس الأدبية. مونيوز حائز على إجازة في تاريخ الفنّ من جامعة غرناطة. صدرت أولى رواياته عام 1986، وبدأت شهرته العالمية مع روايته الثانية «الشتاء في لشبونة» التي تُرجمت إلى لغات عدّة.

صدر له أكثر من 30 كتاباً، منها 20 رواية. يعيش متنقلاً بين مدريد ونيويورك، وهو متزوج من الكاتبة إلفيرا ليندو.
«كظل متلاشٍ».. رواية منسوجة بخيوط التاريختجسّد رواية «كظلٍّ متلاشٍ» لأنطونيو مونيوز مولينا عملاً متقن التفاصيل ذا خيوط سردية متداخلة محبوكة. وتسير في آن واحد على خطى قصة جيمس إيرل راي القصيرة والمزرية في لشبونة كهارب من القانون، وسرد كتابي مهووس يدفع المرء لإضفاء طابع درامي على حياة القاتل البائس. ويخبر مونيوز بمزيج من الخيال والمذكرات والسيرة الذاتية قصتين تفصّل الأولى الأيام العشرة التي أمضاها راي في لشبونة فارّاً عقب اغتيال مارتن لوثر كينغ الابن، عام 1968، ورحلة الكاتب البحثية إلى المدينة ذاتها عام 1987، أثناء كتابة روايته الأولى «شتاء في لشبونة».يعيش بطل القصة، راي تحت أسماء مستعارة ويسافر مستخدماً جواز سفره الكندي إلى لشبونة بالصدفة. ويعيش أيامه كشخص عادي، معتقداً أن إحدى الحركات سترحّب به.

وبعد 20 عاماً تقريباً يسافر مونيوز الأب الحديث إلى المدينة ذاتها للمرة الأولى بحثاً عن إلهامٍ أدبي. إلا أن زواجه سرعان ما يتفكك فيتخذ شريكة جديدة ويصبح مهتماً بحكاية راي. تعيد الرواية بناء الماضي بتفاصيل مذهلة، ويحيك مونيوز عدداً من الاحتمالات للحظات بدت فيها تصرفات راي غير أكيدة. فأسفرت النتيجة عن صورة ثنائية ساحرة لكاتب ينظر داخل عقل مجرم مريض.مزجت رواية «كظلٍ متلاشٍ» بين أدب الخيال والمذكرات والتقرير التاريخي والخيال التأملي معتمدة أساليب ووجهات نظر عدة، بحيث يتشجع القارئ تارة على متابعة سير الأحداث من منظور راي، وينشدّ تارة أخرى عائداً لآراء مونيوز.

ويتبدى الفارق واضحاً في طريقة عرض المعلومات، حيث الجمل القصيرة تتخصص في عرض الحقائق تاركة المجال لجمل أكثر طولاً وحدسية مع غوص الكاتب في بحر التأملات.ويبقى الأمر اللافت أن مونيوز لم ينشغل بمحاولة إضفاء الطابع الإنساني على راي، بما يجلب الطمأنينة لبعض القراء، لكنه ركّز بالمقابل على فهم الرواية كفكرة يمكن أن تتداخل حيثياتها مع حياة أشخاص آخرين أو تخضع للتهجين بما يخلق عملاً قادراً على «إخضاع الحياة نفسها لحدودها الخاصة وأن ينفتح في الوقت عينه على إمكانية سبر أعماق الإنسان».

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أدب الواقع أولى من الخيال المزيج المميز لمهابط الحياة أدب الواقع أولى من الخيال المزيج المميز لمهابط الحياة



GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي

GMT 00:11 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تحف فنية من الزخارف الإسلامية على ورق الموز في الأردن

GMT 23:14 2016 الإثنين ,25 إبريل / نيسان

ماهي فوائد نبتة الخزامى ( اللافندر )؟

GMT 00:00 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

Velvet Orchid Lumière Tom Ford عطر المرأة الرومانسية

GMT 20:32 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حيوانات الرنة مهددة بالانقراض بسبب تغير المناخ
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca