آخر تحديث GMT 06:25:28
الدار البيضاء اليوم  -

20 عامًا تستنطق الجثث وتتكلم بلغة الحزن

المغربية فريدة بوشتة تعيش وسط أرواح الموتى

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  - المغربية فريدة بوشتة تعيش وسط أرواح الموتى

الدار البيضاء ـ سعيد بونوار

"تستمد الحياة قيمتها من الموت"، هكذا يفكر أهل الهند، فـ"سر الموت يلتمس في قلب الحياة، لأنهما واحد، كما النهر والبحر واحد"، كما يقول جبران خليل جبران، والدكتورة فريدة بوشتة واحدة من النساء العربيات القليلات جداً واللواتي سبرن أغوار بحر الموت بحثاً عن تفاسير لأسرار كادت تموت وتدفن مع إزهاق أرواح الموتى. طبيبة آثرت العيش لساعات الليل والنهار مع الجثت، السليمة منها والمشوهة والمقطعة الأطراف وغير الواضحة المعالم، عالم مرعب يهابه الرجال ولا تهابه فريدة المغربية التي أمضت أكثر من 20 عاما تحقق مع الجثت وتستنطقها بالمشرط والمقص، باحثة عن الحقيقة الضائعة. هي فريدة بوشتة رئيسة مركز الطب الشرعي في الدار البيضاء..إمرأة تحكم الجثت، وتتكلم بلغة الحزن.  كثيرات وكثيرون يغمضون أعينهم رعباً من جثة، ويصمون آذانهم رهبة من سماع لفظ  الموت، إلا فريدة تبدأ صباحها المشرق بتشريح جثة، وتنهي نهارها بأخرى، لا تمل ولا تكد ولا يتسرب الخوف في فؤادها، تمشي مع الجثت وتحلم بأطيافها. هي أميرة الصمت، فالمركز الذي يستقبل العشرات من ضحايا الإجرام أو حوادث السير أو الوفيات الغامضة يومياً لا يتلمس إلا لغة الهدوء إلى درجة تعتقد معها أنك تسمع الموتى يتكلمون أو يتألمون، تضع فريدة وزرتها البيضاء وتبدأ في تشريح الجثت، وابتسامة المرأة لا تفارقها، حتى يُخيل إليك كما لو أن ابتسامتها تزرع الدفء بين ثلاجات التبريد الموزعة على أرجاء المركز. لا تبرح فريدة بوشتة مركز التشريح، حتى الدقائق التي تقضيها رفقة أسرتها محرومة منها، إذ عليها أن تظل على أهبة الاستعداد لأي حادث طارئ يستوجب منها التدخل لتحديد هوية جثة عثر عليها ليلاً، وعليها أن تقضي ساعات الراحة  والعطل في إعداد التقارير. تقول فريدة بوشتة إن المركز مطالب باستقبال أكثر من 1800جثة في العام، وهو الأكبر من نوعه في إفريقيا إذ يتوفر على 16 قاعة تبريد، والمرز مدعو إلى تقديم الحجج والبراهين بشأن قضية كل جثة، وعليه أن يبقى على اتصال مع الشرطة والدرك ومسؤولي السلطات المحلية والقضاء والمواطنين، فالكل ينشد الحقيقة، وهي بين يدي الطبيب الشرعي. وعن شعورها وهي بين الموتى، تقول فريدة:"تغيرت حياتي رأساً على عقب منذ أول يوم بدأت فيه بالتشريح، لا أخفيكم أن هذه الوظيفة تعلمك كيف تحزن كل دقيقة، ولا أخفيكم أن هذا العمل علمني أن أنسى الموت وأعيش، أن ننسى الموت أصلاً". لا ترغب فريدة في مغادرة المهنة، فهي عندما درست الطب، ظلت تمني نفسها بعلاج الناس ومنحهم "رويشتة" العلاج والسعادة، هي اليوم تشعر أن تهدي المجتمع والعدالة حلول الجرائم، وتمنع عن عدد من الأسر الهم لفقدان مقرب بتحديد هويته وضمان قبر له عليه اسمه". فريدة بوشتة وطاقمها الصغير مطالبون في كثير من الأحيان بمرافقة رجال الدرك والشرطة حال اكتشاف جثة، وتقول:"لعل أكثر اللحظات تأثيراً في نفسي هي عندما أشرح جثة رضيع متوفى لتحديد أسباب وفاته". يعرف علماء القانون الطب الشرعي بأنه يهتم بدراسة العلاقة القريبة أو البعيدة التي يمكن أن توجد ما بين الوقائع الطبية والنصوص القانونية، فهو من العلوم التي يعتمد عليها البحث الجنائي للتوصل إلى الحقائق، وترى فريدة أن هذا الدور يجعلها تشعر بالفخر رغم إكراهات المهنة.

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغربية فريدة بوشتة تعيش وسط أرواح الموتى المغربية فريدة بوشتة تعيش وسط أرواح الموتى



GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca